قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثلما يقول، ثم صلوا علي، فإنه من صلى علي مرة صلى الله عليه عشراًً، ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها درجة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا ذلك العبد، فمن سأل الله لي الوسيلة حلت عليه شفاعتي يوم القيامة).
مع أن طلبه من أمته الدعاء ليس هو طلب حاجة من المخلوق، بل هو تعليم لأمته ما ينتفعون به في دينهم، وبسبب ذلك التعليم والعمل بما علمهم يعظم الله أجره].
إذاً: صلاتنا على النبي صلى الله عليه وسلم، هي استجابة لأمر الله عز وجل، فإن الله أمرنا بذلك في كتابه، وهذا تكريم للرسول صلى الله عليه وسلم، ثم أمرنا الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك بناء على أمر الله، وليس ذلك لأن أحداً من الناس أفضل من الرسول صلى الله عليه وسلم، فهو أفضل الخلق على الإطلاق، ولا لأن النبي صلى الله عليه وسلم يحتاج إلى دعائنا، لكننا نحن المحتاجون.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فإنا إذا صلينا عليه مرة صلى الله علينا عشراً، وإذا سألنا الله له الوسيلة حلت علينا شفاعته يوم القيامة، وكل ثواب يحصل لنا على أعمالنا فله مثل أجرنا من غير أن ينقص من أجرنا شيء، فإنه صلى الله عليه وسلم قال: (من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه من غير أن ينقص ذلك من أجورهم شيئاً).
وهو الذي دعا أمته إلى كل خير، وكل خير تعمله أمته له مثل أجورهم من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ولهذا لم يكن الصحابة والسلف يهدون إليه ثواب أعمالهم ولا يحجون عنه ولا يتصدقون ولا يقرءون القرآن ويهدون له؛ لأن كل ما يعمله المسلمون من صلاة وصيام وحج وصدقة وقراءة له صلى الله عليه وسلم مثل أجورهم من غير أن ينقص من أجورهم شيء، بخلاف الوالدين، فليس كل ما عمله المسلم من الخير يكون لوالديه مثل أجره، ولهذا يهدي الثواب لوالديه وغيرهما.
ومعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم مطيع لربه عز وجل في قوله تعالى: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} [الشرح:7 - 8]، فهو صلى الله عليه وسلم لا يرغب إلى غير الله.
وقد ثبت عنه في الصحيح أنه قال: (يدخل من أمتي الجنة سبعون ألفاً بغير حساب، هم الذين لا يسترقون، ولا يكتوون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون).
فهؤلاء من أمته وقد مدحهم بأنهم لا يسترقون، والاسترقاء: أن يطلب من غيره أن يرقيه، والرقية من نوع الدعاء، وكان هو صلى الله عليه وسلم يرقي نفسه وغيره، ولا يطلب من أحد أن يرقيه.
ورواية من روى في هذا (لا يرقون) ضعيفة غلط، فهذا مما يبين حقيقة أمره لأمته بالدعاء أنه ليس من باب سؤال المخلوق للمخلوق الذي غيره أفضل منه، فإنه من لا يسأل الناس، بل لا يسأل إلا الله، أفضل ممن يسأل الناس، ومحمد صلى الله عليه وسلم سيد ولد آدم].
مسألة الاسترقاء والرقية، تكلم فيها العلماء بكلام كثير، وكله فيه توجيه بمعنى كونهم لا يسترقون؛ لأن أكثر أهل العلم افترض بعض الإشكالات، إذا نظرنا إلى عموم النصوص التي تجيز التداوي وتجيز الرقية، وأن النبي صلى الله عليه وسلم رقى، وأنه رقي، فكيف صار عدم الاسترقاء صفة مدح؟ ثم إن المسلم إذا احتاج إلى الرقية، فهل يعني ذلك أنه لا يشرع له أن يطلب الرقية، وما معنى كونهم لا يسترقون؟ فأولاً: لا يفهم من قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يسترقون) أنهم يمنعون الرقية، أو أنهم لا يرونها مشروعة، فإن هؤلاء طبقة ممن يكون فقههم بحيث لا يعارضون شرع الله عز وجل، هؤلاء من الطبقة الخلص الأتقياء، الذين لا يمكن أن يكون منهم بدعة أو أمر يخل بما شرعه الله عز وجل.
إذاً: من أحسن ما وجه به هذا النص أن قول النبي صلى الله عليه وسلم: (هم الذين لا يسترقون)، أي: لا يطلبون الرقية لا لأنهم يرونها غير جائزة، لكن لقوة إيمانهم ويقينهم وتوكلهم على الله عز وجل وإحسانهم في العبادة لا تتوق نفوسهم إلى الرقية.
وهذا له نماذج من حياة أفراد من السلف، يصل الواحد منهم إلى درجة أنه لا تتطلع نفسه إلى بذل الأسباب، لا لأنه يراها محرمة، لكن لقوة يقينه بالله عز وجل، ولقوة اعتماده بنفسه على الأسباب الشرعية، لا يطلب الرقية، فهذه قوة إيمان يهبها الله عز وجل لمن يشاء، فيصل عنده التوكل واليقين إلى ألا تطلع نفسه إلى طلب الرقية؛ لا لأنه لا يراها مشروعة أو أنه يحرمها، أو يحرم نفسه مما أباحه الله، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (تداووا عباد الله)، وأن أفضل ما تداوينا به هو هذا القرآن، فالجمع بينهما ما ذكرت، والله أعلم.
وقد يقال: ما الفرق بين طلب الرقية وطلب التطبب، حيث إنه مشروع؟ والذي يظهر لي عدم الفرق، أي أنهم لا يطلبون الطبيب، والدليل على هذا قوله: (ولا يكتوون)، والكي من الطب، كما يقال: آخر الدواء الكي، لكن مع ذلك ربما يكون التداوي أفضل من الكي؛ لأن الكي مكروه، كما ورد في أحاديث أخرى.
و