بيان أن توسل الضرير برسول الله هو طلب الدعاء منه

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وهذا الأعمى شفع له النبي صلى الله عليه وسلم فلهذا قال في دعائه: (اللهم فشفعه في)، فعلم أنه شفيع فيه، ولفظه: (إن شئت صبرت وإن شئت دعوت لك، فقال: ادع لي)، فهو طلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو له، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلي ويدعو هو أيضاً لنفسه، ويقول في دعائه: (اللهم فشفعه في)، فدل ذلك على أن معنى قوله: (أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد) أي: بدعائه وشفاعته، كما قال عمر: اللهم إنا كنا إذا أجدبنا توسلنا إليك بنبينا فتسقينا.

فالحديثان معناهما واحد، فهو صلى الله عليه وسلم علم رجلاً أن يتوسل به في حياته، كما ذكر عمر أنهم كانوا يتوسلون به إذا أجدبوا، ثم إنهم بعد موته إنما كانوا يتوسلون بغيره بدلاً عنه، فلو كان التوسل به حياً وميتاً سواء، والمتوسل به الذي دعا له الرسول كمن لم يدع له الرسول، لم يعدلوا عن التوسل به وهو أفضل الخلق وأكرمهم على ربه وأقربهم إليه وسيلة، إلى أن يتوسلوا بغيره ممن ليس مثله.

وكذلك لو كان أعمى توسل به ولم يدع له الرسول بمنزلة ذلك الأعمى، لكان عميان الصحابة أو بعضهم يفعلون مثلما فعل الأعمى، فعدولهم عن هذا إلى هذا مع أنهم السابقون الأولون المهاجرون والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان؛ فإنهم أعلم منا بالله ورسوله وبحقوق الله ورسوله، وما يشرع من الدعاء وينفع، وما لم يشرع ولا ينفع، وما يكون أنفع من غيره، وهم في وقت ضرورة ومخمصة وجدب يطلبون تفريج الكربات وتيسير العسير؛ وإنزال الغيث بكل طريق ممكن، دليل على أن المشروع ما سلكوه دون ما تركوه].

يقصد بهذا صورة واحدة، وهو أن دعاء الغائب مثل دعاء الميت؛ فدعاء الغائب لا يجوز كما أن دعاء الميت لا يجوز، والسبب أنه لا يسمع دعاء من يدعوه أو يدعو به أو يتوسل به، ولذلك يقول شيخ الإسلام: إنه لم يحدث من الصحابة أو من أفرادهم كالأعمى أن دعوا النبي صلى الله عليه وسلم أو دعوا الله أن يستجيب دعاءه فيهم وهو غائب، وإنما الحديث عن صورة واحدة تكررت، وهو أنه يأتي بعض الناس إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو حاضر يسمع؛ فيطلب منه أن يشفع له بالدعاء فيدعو له، أما وهو غائب فلم يقع ذلك.

فهذا ما أراده الشيخ.

وهذا أيضاً يحكم القول ويقوي الحجة ضد أهل البدع؛ أن الصحابة كان فيهم أصحاب ضرورات، وفيهم عميان غير هذا الأعمى، وأحياناً تقع لهم ضرورات عامة ليست ضرورات شخصية، وجوائح وجدب في بعض ديار الإسلام، ومع ذلك ما كانوا يدعون النبي صلى الله عليه وسلم وهو غائب، مع أنه حي بين ظهرانيهم، فكيف وقد مات؟ إذاً: الأمر واضح، هو أنه حتى الذين يدعون الغائبين من الأحياء يقعون في البدعة، كما يخطئون في دعائهم للأموات، وحتى دعاء الحي بما لا يقدر عليه شرك؛ لكن القصد هنا طلب الدعاء من الغير، وهذه هي الصورة التي نتكلم فيها، فإن طلبت منه أن يدعو لك وهو حاضر، ويملك أن يدعو فهذا مشروع، وحتى النبي صلى الله عليه وسلم لم يتوسل به الصحابة ولم يدعوه وهو غائب، ولا طلبوا أيضاً بمغيبه عنهم أو في غير حضرته أن يدعو لهم من هذا الباب حتى في صورة التوسل المشروع؛ لأن التوسل المشروع لا يكون إلا من حاضر يسمع ويقدر.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015