قال رحمه الله تعالى: [وقد روى الترمذي حديثاً صحيحاً عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه علم رجلاً أن يدعو فيقول: اللهم إني أسألك وأتوسل إليك بنبيك محمد نبي الرحمة، يا محمد يا رسول الله، إني أتوسل بك إلى ربي في حاجتي ليقضيها لي، اللهم شفعه في)، وروى النسائي نحو هذا الدعاء.
وفي الترمذي وابن ماجه عن عثمان بن حنيف: (أن رجلاً ضريراً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ادع الله أن يعافيني، فقال: إن شئت دعوت، وإن شئت صبرت فهو خير لك، فقال: فادعه، فأمره أن يتوضأ فيحسن وضوءه ويدعو بهذا الدعاء: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة، يا رسول الله يا محمد، إني توجهت بك إلى ربي في حاجتي هذه لتقضى، اللهم فشفعه في)، قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
ورواه النسائي عن عثمان بن حنيف ولفظه: (أن رجلاً أعمى قال: يا رسول الله، ادع الله أن يكشف لي عن بصري، قال: فانطلق فتوضأ، ثم صل ركعتين، ثم قل: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة، يا محمد، إني أتوجه بك إلى ربي أن يكشف عن بصري، اللهم فشفعه في، قال: فرجع وقد كشف الله عن بصره).
وقال الإمام أحمد في مسنده: حدثنا روح حدثنا شعبة عن عمير بن يزيد الخطمي المديني قال: سمعت عمارة بن خزيمة بن ثابت يحدث عن عثمان بن حنيف: (أن رجلاً ضريراً أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا نبي الله، ادع الله أن يعافيني، فقال: إن شئت أخرت ذلك فهو خير لآخرتك، وإن شئت دعوت لك، قال: لا، بل ادع الله لي، فأمره أن يتوضأ، وأن يصلي ركعتين وأن يدعو بهذا الدعاء: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة، يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي في حاجتي هذه فتقضى، اللهم فشفعني فيه وشفعه في، قال: ففعل الرجل فبرأ).
فهذا الحديث فيه التوسل به إلى الله في الدعاء].
العبارات الأخيرة في الحديث قد تشكل في فهمها مع أن الشيخ شرحها قبل ذلك وسيبينها أيضاً فيما بعد؛ لكن أشير إلى الفهم الصحيح لها، فقوله بعدما قال: (يا محمد إني أتوجه بك) أي: أتوجه بك إلى ربي أن تدعو لي في حاجتي هذه فتقضى.
وقوله: (اللهم فشفعني فيه) أي: اقبل دعائي، (وشفعه في) أي اقبل دعاءه، وهذا ما فسره به الشيخ، وهو أيضاً مقتضى مفهوم القصة من خلال ألفاظها، ومن خلال سياقها اللفظي والعملي، فإننا إذا تصورنا وقائع قصة الأعمى وما ورد فيها عن النبي صلى الله عليه وسلم من توجيه لهذا الضرير، ثم ما فعله هذا الضرير نجد أن الألفاظ يفسر بعضها بعضاً، وإن كانت في بعض سياقاتها ملبسة، وهذا اللبس هو الذي استمسك به أهل البدع، فأجازوا التوسل البدعي، ومما يمكن أن يلبس هذه العبارة: (اللهم فشفعني فيه)، نحن نعلم أن المقصود: اقبل دعائي في أن تقبل دعاء النبي صلى الله عليه وسلم في، (وشفعه في)، يعني: اقبل دعاءه حينما يدعو لي، ولذلك لما فعل ذلك استجاب الله دعاء النبي صلى الله عليه وسلم فيه، فقبل شفاعته فعاد إليه بصره.
قال رحمه الله تعالى: [فهذا الحديث فيه التوسل به إلى الله في الدعاء].
بعد هذه العبارة سيذكر وجوه الخطأ في فهم هذه النصوص عند المبتدعة، وسيميز بين وجه الخطأ ووجه الصواب في سياق النصوص.
قال رحمه الله تعالى: [ومن الناس من يقول: هذا يقتضي جواز التوسل به مطلقاً حياً وميتاً].
يعني: أنهم عمموا جواز التوسل، وما اقتصروا على الصورة المشروعة الواردة، فالصورة المشروعة الواردة واضحة، وأنها تسد منافذ البدعة، وتفتح منافذ المشروع، للوضوح من سياقاتها القولية والعملية.
أهل البدع عمموا النص، فقالوا: هذا يقتضي جواز بذات النبي صلى الله عليه وسلم مطلقاً، سواء كان حياً أو ميتاً.
قال رحمه الله: [وهذا يحتج به من يتوسل بذاته بعد موته وفي مغيبه، ويظن هؤلاء أن توسل الأعمى والصحابة في حياته كان بمعنى الإقسام به على الله أو بمعنى أنهم سألوا الله بذاته أن يقضي حوائجهم].
الإقسام به على الله يتجه إلى الجاه في الغالب.
أما الثاني: فهو التوسل بذاته، يعني: اعتقاد أن ذاته مؤثرة في تقدير الله عز وجل وفي حكم الله، أي أنهم يجعلون النبي صلى الله عليه وسلم كالصنم الذي يعبدونه، ويتقربون بذاته إلى الله عز وجل، لا بأعمالهم ولا بموافقتهم للنبي صلى الله عليه وسلم أو باتباعهم للسنة، أو بطلب دعائه، فلا يكتفون بالمشروع، فيجعلون ذاته أو تعظيم ذاته وسيلة للشرك مع الله عز وجل، وهم ممن يغلون في النبي صلى الله عليه وسلم إلى حد التقديس، ولا نستغرب ذلك منهم، إذا عرفنا أن تصورهم في النبي صلى الله عليه وسلم أنه يعلم الغيب، وأنه يشارك الله في الربوبية، وأن له هيمنة على الكون، فمن الطبيعي إذا كان هذا تصورهم؛ تصور الغلو والتقديس أن يعتقدوا أن الن