قال رحمه الله تعالى: [فأما التوسل بذاته في حضوره أو مغيبه أو بعد موته، مثل: الإقسام بذاته أو بغيره من الأنبياء، أو السؤال بنفس ذواتهم لا بدعائهم، فليس هذا مشهوراً عند الصحابة والتابعين، بل عمر بن الخطاب ومعاوية بن أبي سفيان ومن بحضرتهما من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين لهم بإحسان، لما أجدبوا استسقوا، وتوسلوا واستشفعوا بمن كان حياً كـ العباس وكـ يزيد بن الأسود، ولم يتوسلوا ولم يستشفعوا ولم يستسقوا في هذه الحال بالنبي صلى الله عليه وسلم لا عند قبره ولا غير قبره، بل عدلوا إلى البدل كـ العباس وكـ يزيد، بل كانوا يصلون عليه في دعائهم، وقد قال عمر: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا؛ فجعلوا هذا بدلاً عن ذاك لما تعذر أن يتوسلوا به على الوجه المشروع الذي كانوا يفعلونه.
وقد كان من الممكن أن يأتوا إلى قبره فيتوسلوا به ويقولوا في دعائهم في الصحراء بالجاه ونحو ذلك من الألفاظ التي تتضمن القسم بمخلوق على الله عز وجل، أو السؤال به، فيقولون: نسألك أو نقسم عليك بنبيك، أو بجاه نبيك ونحو ذلك مما يفعله بعض الناس].
نعم، لكنهم لم يفعلوا ذلك، وهذا من أقوى الردود وأقوى الحجج؛ في أن الصحابة رضي الله عنهم حينما استسقوا، لو كان يجوز التوسل بذات النبي صلى الله عليه وسلم لاستسقوا عند قبره، أو لجعلوا القبر أمامهم ليتوجهوا إلى ذات النبي صلى الله عليه وسلم، لكن لم يفعلوا.
قد يقول قائل: الاستسقاء به أو التوسل به المقصود به التوسل بجاهه.
يقول: كذلك الصحابة لما خرجوا إلى الصحراء، فلو كان التوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم فإن الأيسر لهم والأسهل أن يتوسلوا بجاهه وهم بالصحراء، فإن التوسل بالجاه لا يلزم منه غير ذكر ذلك في اللسان أو التوجه به إلى الله عن التصريح بالجاه، فلم يفعلوا ذلك أيضاً، وعدلوا عن التوسل بالذات والتوسل بالجاه لأنه ليس بمشروع، إلى أن توسلوا بالموجودين من الصحابة، وطلبوا منهم الدعاء، ولذلك تجدون الشيخ استعمل العبارات كلها، من أجل أن يسد منافذ الفهم الخاطئ، يقول في السطرين الأخيرين: (ولم يتوسلوا ولم يستشفعوا ولم يستسقوا)، وقال قبلها: (لما أجدبوا استسقوا وتوسلوا وتشفعوا واستشفعوا)، لأنه لو قال: لم يتوسلوا، لقالوا: نحن نقصد الاستشفاع، أو نقصد الاستسقاء.