الإيمان بالله والرسول وإفراد العبادة لله وحده

سيبين الشيخ رحمه الله فيما يأتي الحقيقة الشرعية للتوسل على جهة التفصيل والاستدلال لذلك، ويبين أنواع التوسل الشرعي إجمالاً، ثم سيلخصها في نهاية هذا المقطع كما سيتبين إن شاء الله.

قال ابن تيمية رحمه الله تعالى: [وفي الصحيحين عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: من كان الله ورسوله أحب إليه ممن سواهما، ومن كان يحب المرء لا يحبه إلا لله، ومن كان يكره أن يرجع في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار).

وقد قال تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً * لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً} [الفتح:8 - 9]].

بين الشيخ فيما سبق أن حقيقة التوسل تكون أولاً بحب الله تعالى وحب رسوله صلى الله عليه وسلم، ثم بطاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، ثم بالسعي إلى ما يرضي الله وما يرضي الرسول صلى الله عليه وسلم.

أي أن من أنواع التوسل المشروعة: الحب ثم الرضا ثم الطاعة، ثم ذكر هنا أيضاً توقير الرسول صلى الله عليه وسلم وتعزيره ونحو ذلك، وأن هذه هي حقيقة التوسل الذي ينبغي أن يسعى إليه المسلم، وأن هذه الأنواع من التوسل الشرعي تغني الإنسان عن أن يتطلع إلى توسلات أخرى مبتدعة وليست مما يحبه الله ولا يرضاه، وأن ما شرعه الله عز وجل من التوسل الشرعي الصحيح الذي أنواعه كثيرة هو القدر الكافي الذي لا يحتاج البشر بعده إلى أن يلجئوا إلى خلق الله من دونه سبحانه، ليميز لنا في هذه المقامات بين التوسل الشرعي والتوسلات البدعية.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [فالإيمان بالله والرسول، والتعزير والتوقير للرسول، وتعزيره نصره ومنعه، والتسبيح بكرة وأصيلاً لله وحده، فإن ذلك من العبادة لله.

والعبادة هي لله وحده: فلا يصلى إلا لله، ولا يصام إلا لله، ولا يحج إلا إلى بيت الله، ولا تشد الرحال إلا إلى المساجد الثلاثة؛ لكون هذه المساجد بناها أنبياء الله بإذن الله، ولا ينذر إلا لله، ولا يحلف إلا بالله، ولا يدعى إلا الله، ولا يستغاث إلا بالله.

وأما ما خلقه الله سبحانه من الحيوان والنبات والمطر والسحاب وسائر المخلوقات، فلم يجعل غيره من العباد واسطة في ذلك الخلق، كما جعل الرسل واسطة في التبليغ، بل يخلق ما يشاء بما يشاء من الأسباب، وليس في المخلوقات شيء يستقل بإبداع شيء، بل لا بد للسبب من أسباب أخر تعاونه، ولا بد من دفع المعارض عنه، وذلك لا يقدر عليه إلا الله وحده، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، بخلاف الرسالة، فإن الرسول وحده كان واسطة في تبليغ رسالته إلى عباده].

يقصد الشيخ الفرق بين كون الرسل وسائط في تبليغ الرسالة، وبين كونهم وسائط في العبادة، فكونهم واسطة في تبليغ الرسالة هذا عين الحق؛ لأن الله أرسلهم وبعثهم ليبينوا التوحيد ويشرعوا الشرائع، وجعلهم هم الوسيلة للتبليغ، يعني: الواسطة؛ فهذه وسيلة، لكن ليس للإنسان أن يتعبد بها، يعني: أن يجعلهم وسيلة في العبادة.

نعم، الأنبياء هم الذين بعثهم الله بالحق، وطاعتهم من عبادة الله عز وجل، فهم واسطة في التبليغ، لكنهم ليسوا وسائط في العبادة، فإنه لا يجوز أن يعبد إلا الله وحده، ولم يجعل الله عز وجل بينه وبين خلقه وسيطاً في العبادة، لا الأنبياء ولا الملائكة ولا من دونهم.

وهذا التفريق تفريق شرعي وعقلي، فكون الأنبياء وسائط في التبليغ لا يعني ذلك اتخاذهم وسائط في العبادة؛ لأن مما بلغوه عن الله تحريم أن تتخذ المخلوقات وسائط، وأمر ألا ندعو غيره، وألا نعبد غيره، ولا نتوكل إلا عليه، ولا نصرف أي نوع من العبادة إلا له عز وجل، والرسل ليس عليهم إلا البلاغ، نحبهم ونوقرهم ونتبع ما جاءوا به، ونعلم أن ما جاءوا به هو الحق، ونصدقهم بما شرعه الله عز وجل على ألسنتهم، وما عدا ذلك فليس بمشروع.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015