تفسير النبي صلى الله عليه وسلم لهذا الحديث يذكرنا بأصل وقاعدة من قواعد الاستدلال، وذلك أنه لا ينبغي للمسلم أن يأخذ الأدلة من النصوص دون مراعاة قواعد الاستدلال.
وهذه الآية لو أخذت على ظاهرها وفهمها الصحابة فهماً ظاهراً؛ لكان فيها مشقة وعنت على الأمة، ومثل هذه الآية كثير في كتاب الله وفي كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقواله وأفعاله، هناك طائفة من النصوص لا يدرك فهمها إلا من قبل الراسخين على قواعد الشرع.
ومن هنا ينبغي أن نعرف جيداً ما تميز به أهل السنة والجماعة في الاستدلال عن غيرهم من أهل الأهواء، وهو أنهم: أولاً: يستدلون للنصوص بتفسير النبي صلى الله عليه وسلم لها، إذا ورد تفسير للنصوص عن النبي صلى الله عليه وسلم يجب أن نقف عنده، مثل تفسيره لهذه الآية، فإنه فسر الظلم على غير ما نفهمه، ففسره بالشرك.
ثانياً: أنه لا بد أيضاً من اعتبار فعل النبي صلى الله عليه وسلم في تطبيقه للنصوص، في هذا أيضاً تفسير عملي، حتى لو لم يقل أو لم ينطق.
ثالثاً: إقرار النبي صلى الله عليه وسلم للناس على ما يفعلونه عند امتثالهم للنصوص، فإقرار النبي صلى الله عليه وسلم لأفعال الناس يعتبر تشريعاً وتفسيراً معصوماً.
ثم تفسير الصحابة وفهمهم؛ لأنهم عرب أقحاح، ولأنهم أيضاً فهموا القرآن والنبي صلى الله عليه وسلم بين ظهرانيهم، فكان يؤيدهم ويقرهم، فتفسيرهم للقرآن أيضاً حجة.
ثم تفسير السلف؛ لأنه سبيل المؤمنين أعني أن فهم السلف للنصوص يتمثل به سبيل المؤمنين الذي توعد الله من خالفه وجعله مشاقاً لله ولرسوله، فقال عز وجل: {وَمَنْ يُشَاقِقْ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً} [النساء:115]، فسبيل المؤمنين هو ما تمثل به منهجهم، وأول وأعظم أصول السلف: منهجهم العلمي والعملي في تفسير النصوص.
أقول: تفسير النبي صلى الله عليه وسلم لهذه الآية على غير ما يظهر للناس دليل على أنه لا بد في تفسير النصوص من الرجوع إلى قواعد التفسير وإلى قواعد فهم النصوص وفقهها، وهذا أمر اختل عند جميع أهل الأهواء والافتراق فضلوا عن السنة.