قال رحمه الله تعالى: [فإن قال: بل يسأل بالمخلوقات المعظمة كالمخلوقات التي أقسم بها في كتابه، لزم من هذا أن يسأل بالليل إذا يغشى، والنهار إذا تجلى، والذكر والأنثى، والشمس وضحاها، والقمر إذا تلاها، والنهار إذا جلاها، والليل إذا يغشاها، والسماء وما بناها، والأرض وما طحاها، ونفس وما سواها ويسأل الله تعالى ويقسم عليه بالخنس الجواري الكنس، والليل إذا عسعس، والصبح إذا تنفس، ويسأل بالذاريات ذرواً، فالحاملات وقراً، فالجاريات يسراً، فالمقسمات أمراً، ويسأل بالطور، وكتاب مسطور في رق منشور، والبيت المعمور، والسقف المرفوع، والبحر المسجور، ويسأل ويقسم عليه بالصافات صفاً، وسائر ما أقسم الله به في كتابه، فإن الله يقسم بما يقسم به من مخلوقاته لأنها آياته ومخلوقاته فهي دليل على ربوبيته، وألوهيته، ووحدانيته، وعلمه، وقدرته، ومشيئته، ورحمته، وحكمته، وعظمته، وعزته، فهو سبحانه يقسم بها لأن إقسامه بها تعظيم له سبحانه، ونحن المخلوقون ليس لنا أن نقسم بها بالنص والإجماع.
بل ذكر غير واحد الإجماع على أنه لا يقسم بشيء من المخلوقات، وذكروا إجماع الصحابة على ذلك، بل ذلك شرك منهي عنه، ومن سأل الله بها لزمه أن يسأله بكل ذكر وأنثى، وبكل نفس ألهمها فجورها وتقواها، ويسأله بالرياح، والسحاب، والكواكب، والشمس، والقمر، والليل، والنهار، والتين، والزيتون، وطور سينين، ويسأله بالبلد الأمين مكة، ويسأله حينئذ بالبيت، والصفا، والمروة، وعرفة، ومزدلفة، ومنى، وغير ذلك من المخلوقات، ويلزم ذلك أن يسأله بالمخلوقات التي عُبدت من دون الله، كالشمس، والقمر، والكواكب، والملائكة، والمسيح، والعزير، وغير ذلك مما عبد من دون الله ومما لم يعبد من دونه.
ومعلوم أن السؤال لله بهذه المخلوقات أو الإقسام عليه بها من أعظم البدع المنكرة في دين الإسلام، ومما يظهر قبحه للخاص والعام].
يقصد بذلك أنه قد اتفق الخاص والعام على أن الإقسام بهذه المخلوقات من أعظم البدع، إذاً فتخصيص بعضها لا دليل عليه، لأنه قد يوجد من يقسم ببعض المخلوقات التي أقسم الله بها، أو التي عظّمها الله عز وجل، فيقول: ما دام هناك اتفاق على أن كثيراً من هذه الأمور لا يجوز الإقسام بها، فما الدليل الذي خصص به هؤلاء المبتدعة الإقسام ببعضها دون بعض.
قال رحمه الله تعالى: [ويلزم من ذلك أن يقسم على الله تعالى بالأقسام والعزائم التي تكتب في الحروز والهياكل التي تكتبها الطرقية والمعزّمون.
بل ويقال: إذا جاز السؤال والإقسام على الله بها فعلى المخلوقات أولى، فحينئذ تكون العزائم والأقسام التي يقسم بها على الجن مشروعة في دين الإسلام، وهذا الكلام يستلزم الكفر والخروج من الإسلام بل ومن دين الأنبياء أجمعين].
يقصد الشيخ هنا أن كثيراً من الذين يضعون العزائم ويضعون المعلقات التي يعلقون بها تمائم وغيرها، يضعون من ضمن عباراتها الإقسام على أحد من الخلق بأن ينفع هذا الشخص أو يدفع عنه الضر، أو يشفيه من مرضه إلى آخره، فبعض الإنس يقسمون على بعض الجن أو على بعض الإنس والعكس كذلك، ويكتبون ذلك ضمن هذه الأمور سواء عزائم أو غيرها.