قال رحمه الله تعالى: [ومن هذا وضع ابن عمر يده على مقعد النبي صلى الله عليه وسلم.
وتعريف ابن عباس بالبصرة، وعمرو بن حريث بالكوفة].
التعريف المقصود به الجلوس والتعبد في المسجد يوم عرفة، وهذا حدث من ابن عباس ولم يوافقه عليه عامة الصحابة، وهو اجتهاد منه، وابن عباس ومن عمل بعده هذا العمل ربما تحرى فضل هذا اليوم، لا يقصد به التعبد اللازم بحيث تكون سنة من السنن الثابتة.
فهذا التعريف لم يكن من عمل عموم الصحابة، ولم يكن من السنة التي أمر بها النبي صلى الله عليه وسلم ولا فعلها ولا أقرها، وإنما هو اجتهاد؛ فمثل هذه الأمور النادرة لا تعتبر أدلة، خاصة إذا اتُخذت هذه الأمور ذرائع إلى البدع.
وهذا ما حصل، فالذين فعلوها من الصحابة وغيرهم اجتهدوا، وغاية ما كان من الذين عاصروهم أنهم عذروهم بذلك لكن لم يفعلوا فعلهم، ولو سئلوا لأجابوا بالمنع، فاتخاذ ذلك سنة أو طريقة يكون من البدع.
فهذه -إذاً- قاعدة ينبغي أن يستفيد منها طالب العلم خاصة في قضايا العبادة والعقيدة، أنه أي أمر يكون القدوة فيه عالم لا يوافقه غيره من العلماء، ينبغي أن يُحمل على أنه غلطة أو زلة أو اجتهاد خاطئ، وأن هذا من ذرائع أهل البدع التي يتخذونها لتأييد بدعهم، ولذلك ما من بدعة من البدع إلا ويجدون لها مثل هذه المستمسكات التي لا تصح في الاستدلال، والتي تسقط بمجرد كونها شاذة أو نادرة، لا سيما إذا بُني عليها وتفرع عنها بدع كثيرة.
فأهل البدع مثلاً في مسألة التوسل لا يكتفون بمثل هذه الصورة التي وردت عن عثمان بن حنيف وأمر بها، بل يخرجون عليها صور ما لا نهاية له من الصور، وهذا دليل على أن هذه فتنة، وأنها من الأمور الملبسة التي ينبغي أن ينبه عليها الناس ويتنبه لها طلاب العلم.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ومن هذا وضع ابن عمر يده على مقعد النبي صلى الله عليه وسلم، وتعريف ابن عباس بالبصرة، وعمرو بن حريث بالكوفة.
فإن هذا لما لم يكن مما يفعله سائر الصحابة ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم شرعه لأمته، لم يمكن أن يقال هذا سنة مستحبة.
بل غايته أن يقال: هذا مما ساغ فيه اجتهاد الصحابة، أو مما لا يُنكر على فاعله لأنه مما يسوغ فيه الاجتهاد، لا أنه سنة مستحبة سنها النبي صلى الله عليه وسلم لأمته.
أو يقال في التعريف: إنه لا بأس به أحياناً لعارض إذا لم يُجعل سنة راتبة].
لعل الشيخ يقصد أن إنساناً مثلاً تذكر فضل هذا اليوم يوم عرفة وهو صائم، ثم ذهب إلى المسجد يتعبد فيتلو القرآن ويدعو لا لاعتقاد أن عمله هذا من السنن، إنما فعله تحرياً للزمن الفاضل والمكان الفاضل، نقول: لو حدث هذا لا على اعتقاد أنه من السنن المشروعة المأمور بها لكان ذلك مما يمكن أن يُسكت عنه، إذا لم يكن دائماً ولم يقصد به أنه متعبّد بذلك، فهذا هو مقصود الشيخ بقوله: (لعارض إذا لم يُجعل سنة راتبة).
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وهكذا يقول أئمة العلم في هذا وأمثاله تارة يكرهونه، وتارة يسوغون فيه الاجتهاد، وتارة يرخصّون فيه إذا لم يتخذ سنة، ولا يقول عالم بالسنة: إن هذه سنة مشروعة للمسلمين، فإن ذلك إنما يقال فيما شرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ ليس لغيره أن يسن ولا يشرع، وما سنه خلفاؤه الراشدون فإن ما سنوه بأمره فهو من سننه، ولا يكون في الدين واجباً إلا ما أوجبه، ولا حراماً إلا ما حرمه، ولا مستحباً إلا ما استحبه، ولا مكروهاً إلا ما كرهه، ولا مباحاً إلا ما أباحه].