قال رحمه الله تعالى: [وفي الباب حكايات عن بعض الناس، أنه رأى مناماً قيل له فيه: ادع بكذا وكذا، ومثل هذا لا يجوز أن يكون دليلاً باتفاق العلماء.
وقد ذكر بعض هذه الحكايات من جمع الأدعية.
وروي في ذلك أثر عن بعض السلف، مثل ما رواه ابن أبي الدنيا في كتاب مجابي الدعاء، قال: حدثنا أبو هاشم، سمعت كثير بن محمد بن كثير بن رفاعة يقول: جاء رجل إلى عبد الملك بن سعيد بن أبجر، فجس بطنه فقال: بك داء لا يبرأ، قال: ما هو؟ قال: الدبيلة، قال: فتحول الرجل فقال: الله الله، الله ربي، لا أشرك به شيئاً، اللهم إني أتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم تسليماً، يا محمد إني أتوجه بك إلى ربك وربي يرحمني مما بي، قال: فجس بطنه فقال: قد برئت ما بك علة.
قلت: فهذا الدعاء ونحوه قد روي أنه دعا به السلف، ونُقل عن أحمد بن حنبل في منسك المروذي التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم في الدعاء، ونهى عنه آخرون، فإن كان مقصود المتوسلين التوسل بالإيمان به وبمحبته وبموالاته وبطاعته، فلا نزاع بين الطائفتين، وإن كان مقصودهم التوسل بذاته فهو محل النزاع، وما تنازعوا فيه يرد إلى الله والرسول].
في هذا المقطع أشار الشيخ إلى بعض الأمور التي قد تشكل، منها قوله: (فهذا الدعاء ونحوه قد روي أنه دعا به السلف)، هذا أيضاً كلام مجمل لا ندري على أي وجه دعا به السلف، ثم إذا كان أُثر عن السلف وروي عنهم فما مدى صحة هذه الرواية، ثم إنه قد يلجأ بعض أهل العلم أو بعض السلف إلى شيء من هذا عن جهل أو خطأ.
كذلك قوله: (ونُقل عن أحمد بن حنبل في منسك المروذي التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم في الدعاء).
هذا كلام مجمل، لكن شيخ الإسلام ابن تيمية فسّره بأحد أمرين، قال: (يحتمل أن يقصد به التوسل بالإيمان به، وبمحبته، وهذا حق)، وهذا هو الغالب، وهذا الذي يتماشى مع قواعد الشرع ومع ما كان عليه السلف من أنهم قد يتوسلون بالأمور الصالحة التي تتعلق بالنبي صلى الله عليه وسلم كالتوسل بمحبته وطاعته واتباعه ونحو ذلك.
وإن كان المقصود الأمر الآخر، وهو التوسل البدعي، أي: التوسل بذاته، فهذا أيضاً كلام مجمل، فمن هم الذين توسلوا بذاته؟ هل هم الصحابة في أثناء حياته؟ فهذا أمر معلوم، هل هم بعض السلف بعد مماته؟ نعم نقل بعض آثار عن بعضهم أكثرها فيها ضعف، ومنها ما يكون محل اجتهاد لكنه مجمل ربما يفسّر على وجه شرعي صحيح.
إذاً: ما يمكن أن يتذرع به بعض أهل البدع مما أُثر عن بعض السلف من التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم قد لا يثبت، وأيضاً يحتاج إلى تفسير، فالكلام المجمل لا يستدل به، لا سيما إذا لم يكن له أصل في الدين، ويتعارض مع قواعد الشرع، ومع إجماع السلف، ويتعارض أيضاً مع ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن صحابته والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
وإذا كل ما يروى من الروايات المجملة يتعارض مع هذه الأصول، فإنه لا بد أن يحمل على تفسير صحيح أو يكون خطأ وزلة من عالم، فالخطأ والزلة ينبغي أن تفسّر على أنها أمر شخصي وقع فيه بعض المعتبرين من أهل العلم عن اجتهاد خاطئ، والزلة قد تقع من العالم فليس معصوماً إلا النبي صلى الله عليه وسلم.