قال رحمه الله تعالى: [وأول من عُرف أنه قسّم الحديث ثلاثة أقسام: صحيح وحسن وضعيف هو أبو عيسى الترمذي في جامعه.
والحسن عنده ما تعددت طرقه ولم يكن في رواته متهم وليس بشاذ.
فهذا الحديث وأمثاله يسميه أحمد ضعيفاً ويحتج به، ولهذا مثّل أحمد الحديث الضعيف الذي يحتج به بحديث عمرو بن شعيب وحديث إبراهيم الهجري ونحوهما، وهذا مبسوط في موضعه].
ولذلك مما ينبغي أيضاً أن يفهمه طالب العلم جيداً أنه ليس في أصول الدين وفي أمور العقيدة المتفق عليها أو التي عليها جمهور السلف ما يكون دليله ضعيفاً ولا حسناً ولا حتى حديث آحاد، أقصد حديث آحاد لم تحف به قرائن، فالآحاد نوعان: آحاد تحف به قرائن تدل على صحته، وهذا هو الذي استدل به السلف على كثير من قضايا العقيدة، بمعنى أنه آحاد لكنه صحيح حتى عند الذين يطعنون في دلالة الآحاد؛ لأنهم أخذوا مسألة دلالة حديث الآحاد مجردة عن القرائن التي تحف بالحديث وتقويه، لكنهم يتفقون مع جمهور السلف على أن الآحاد إذا كانت معه قرائن تحف به وتدل على صحته أو الجزم بأنه يقيني فإنه يستدل به، ومع ذلك فإنه لم يحدث أن أصلاً من أصول الدين القطعية الكبرى كان دليله دليل آحاد لا تدعمه أدلة أخرى، أو شواهد، أو قواعد، أو إجماع، أو قرائن تحف به، وتجعله بمنزلة الحديث الصحيح القطعي.
ومثل ذلك أيضاً فيما يتعلق بالحديث الضعيف، ليس هناك قضية تعبدية شرعية كبرى استدل لها السلف بحديث ضعيف، إلا كما قالوا في باب الفضائل، والفضائل لها قواعدها ولها دلالات ترجع إلى نصوص كثيرة تدخل في قواعد الشرع، فمن هنا قد يستدل بعض السلف على بعض الفضائل والترغيب والترهيب بالحديث الضعيف، لكن فيما يرجع إلى قواعد الشرع ولا ينافي قواعد الشرع.