قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: [ثم قال في الحكاية: (استقبله واستشفع به فيشفعك الله)، والاستشفاع به معناه في اللغة: أن يطلب منه الشفاعة كما يستشفع الناس به يوم القيامة، وكما كان أصحابه يستشفعون به.
ومنه الحديث الذي في السنن: (أن أعرابياً قال: يا رسول الله! جهدت الأنفس وجاع العيال، وهلك المال، فادع الله لنا، فإنا نستشفع بالله عليك ونستشفع بك على الله، فسبح رسول الله حتى عرف ذلك في وجوه أصحابه، وقال: ويحك أتدري ما تقول؟ شأن الله أعظم من ذلك، إنه لا يستشفع به على أحد من خلقه).
وذكر تمام الحديث فأنكر قوله: (نستشفع بالله عليك)، ومعلوم أنه لا ينكر أن يسأل المخلوق بالله أو يقسم عليه بالله، وإنما أنكر أن يكون الله شافعاً إلى المخلوق، ولهذا لم ينكر قوله: (نستشفع بك على الله) فإنه هو الشافع المشفع.
وهم لو كانت الحكاية صحيحة إنما يجيئون إليه لأجل طلب شفاعته صلى الله عليه وسلم? ولهذا قال في تمام الحكاية: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ} [النساء:64] الآية، وهؤلاء إذا شرع لهم أن يطلبوا منه الشفاعة والاستغفار بعد موته فإذا أجابهم فإنه يستغفر لهم، واستغفاره لهم دعاء منه وشفاعة أن يغفر الله لهم.
وإذا كان الاستشفاع منه طلب شفاعته، فإنما يقال في ذلك: استشفع به فيشفعه الله فيك، لا يقال: فيشفعك الله فيه، وهذا معروف الكلام، ولغة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وسائر العلماء، يقال: شفع فلان في فلان فشفع فيه، فالمشفع الذي يشفعه المشفوع إليه هو الشفيع المستشفع به، لا السائل الطالب من غيره أن يشفع له، فإن هذا ليس هو الذي شفع، فمحمد صلى الله عليه وسلم هو الشفيع المشفع ليس المشفع الذي يستشفع به.
ولهذا يقول في دعائه: يا رب! شفعني فيشفعه الله، فيطلب من الله سبحانه أن يشفعه لا أن يشفع طالبي شفاعته، فكيف يقول: واستشفع به فيشفعك الله؟ وأيضاً: فإن طلب شفاعته ودعائه واستغفاره بعد موته وعند قبره ليس مشروعاً عند أحد من أئمة المسلمين، ولا ذكر هذا أحد من الأئمة الأربعة وأصحابهم القدماء، وإنما ذكر هذا بعض المتأخرين، ذكروا حكاية عن العتبي أنه رأى أعرابياً أتى قبره وقرأ هذه الآية، وأنه رأى في المنام أن الله غفر له، وهذا لم يذكره أحد من المجتهدين من أهل المذاهب المتبوعين الذين يفتي الناس بأقوالهم، ومن ذكرها لم يذكر عليها دليلاً شرعياً].