صيغ الدعاء ليست توقيفية

في هذا دلالة على أن صيغ الأدعية ليست توقيفية، لكن أفضل الأدعية ما ورد في كتاب الله عز وجل، ثم ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما يرد على ألسنة أصحاب الحاجات والمضطرين المكروبين من أدعية تناسب أحوالهم جائزة، بل أحياناً تكون أقرب لبعض الناس من الأدعية المأثورة؛ لأن بعض الأدعية المأثورة لا يفهمها كل الناس، فمثل العامي لا نحجر عليه بأن يدعو بالدعاء الذي يتيسر على لسانه، والذي هو أقرب لمواطأة القلب، وأقرب لاستشعار الداعي بقرب الفرج من الله عز وجل، واستشعاره لربه، وإحسانه على مبدأ أصل الإحسان الذي وصفه النبي صلى الله عليه وسلم: (أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك)، فالإنسان الذي يجد في نفسه ميلاً إلى أن يدعو الله في بعض المواقع وفي بعض المواطن عند بعض الضرورات بما يتيسر على لسانه من ألفاظ تناسب حاله فلا حرج عليه.

ولذا أثر عن بعض السلف أدعية تناسب أحوالهم كانت سبب الفرج، فهذا قد يكون نسي الدعاء المأثور، وإلا فلا شك أن الدعاء المأثور أجمع وأعظم وأقرب إلى أحوال العباد، لكن مع ذلك لا يستشعرها كل الناس، إما أن يكون ما استشعر الدعاء المأثور، أو أن الدعاء المأثور غير مفهوم له.

الأمر الآخر: أن الأدعية الواردة في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم على نوعين: منها مطلق، ومنها مقيد.

فالأدعية المطلقة الأمر فيها يسير.

والأدعية المقيدة -يعني: المفروضة والمسنونة- لا محيد عن أن يعمل بها الإنسان، فالأدعية التي هي من واجبات الصلاة، أو الأدعية التي هي من مفاتيح العبادات مثل التلبية بالحج، لا شك أنها توقيفية في أصلها، بمعنى أنه ينبغي أن نتعبد الله بها في مواضعها.

فالأدعية المخصوصة في العبادة نلتزم فيها ما ورد فيها في الشرع إذا كانت واجبة أو مفروضة، أو كانت مستحبة أو مسنونة؛ فالواجب يجب استعماله، والمسنون أولى من غيره، لكن هناك أنواع أخرى من الأدعية مطلقة، ليست مقيدة، بأحوال ولا بأوقات، فهذه الأمر فيها أسهل، ومع ذلك يبقى الأصل أن الأدعية المأثورة أفضل، وأقرب لإجابة الدعاء؛ لأنها صادرة عن الرسول صلى الله عليه وسلم الذي هو أعلم بما يناسب أحوال العباد مما علمه الله، ولأنه أوتي جوامع الكلم صلى الله عليه وسلم، لكن لا يلزم التزامها في كل حال، إلا ما لزم منها شرعاً.

إذاً فباب الدعاء مطلق، أقول هذا لأنه تكثر الأسئلة في هذا الباب، حتى أن بعض الناس يستوحش وينكر بعض الأدعية التي لم يسمع بها، أو لم ترد في كتب السنة، فأقول: لا حرج في ذلك ما دامت بألفاظ صحيحة صريحة بينة، أما إذا كانت بألفاظ بدعية فلا شك أنها بدع، أو إذا كانت بألفاظ مجملة، فالألفاظ المجملة تحتمل حقاً وباطلاً؛ فالأولى أن تجتنب، والله أعلم.

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015