بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال الإمام ابن تيمية رحمه الله تعالى: [وأما السؤال بالمخلوق إذا كانت فيه باء السبب ليست باء القسم -وبينهما فرق- فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بإبرار القسم.
وثبت عنه في الصحيحين أنه قال: (إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره)، قال ذلك لما قال أنس بن النضر: (تكسر ثنية الربيع؟ قال: لا والذي بعثك بالحق لا تكسر سنها، فقال: يا أنس! كتاب الله القصاص، فرضي القوم وعفوا، فقال صلى الله عليه وسلم: إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره).
وقال: (رب أشعث أغبر مدفوع بالأبواب، لو أقسم على الله لأبره)، رواه مسلم وغيره.
وقال: (ألا أخبركم بأهل الجنة؟ كل ضعيف متضعِّف، لو أقسم على الله لأبره، ألا أخبركم بأهل النار؟ كل عتل جواظ مستكبر)، وهذا في الصحيحين، وكذلك حديث أنس بن النضر، والآخر من أفراد مسلم].
سيأتي أمثلة على ما قال الشيخ فيما بعد، لكن ربما يطول الفاصل؛ فنوضح بعض كلام الشيخ.
قوله: (وأما السؤال بالمخلوق إذا كانت فيه باء السبب ليست باء القسم -وبينهما فرق- فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بإبرار القسم.
وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال) يقصد به أن بعض العبارات التي فيها تأكيد لا تعتبر قسماً، مثل أن تقول: أسألك بحق فلان، لكنها نوع من أنواع التأكيد.
فعلى هذا فإن بعض أهل العلم يرى -وهذا هو الراجح وهو رأي الجمهور- أن السؤال بحق كذا أو بكذا لا يعد قسماً، لكنه مع ذلك تحكمه القاعدة في أن منه ما هو ممنوع ومنه ما هو مشروع، فإذا كان السؤال بالشيء مما هو حق، كأن تقول وأنت تدعو الله: اللهم إني أسألك بحق صلاتي، أو بحق المصلين، أو بحق ممشاي هذا؛ فهذا ليس قسماً على الله، فهذا جائز؛ لأنك سألت بحق مشروع شرعه الله عز وجل، وهو التوسل بالأعمال الصالحة، وقولك: اللهم إني أسألك بحق السائلين: حق السائلين حق كتبه الله عز وجل على نفسه، فالباء هنا في الراجح ليست باء قسم، إنما هي باب السبب.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقد روي في قوله: (إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره) أنه قال: (منهم البراء بن مالك).
وكان البراء إذا اشتدت الحرب بين المسلمين والكفار يقولون: يا براء أقسم على ربك! فيقسم على الله؛ فينهزم الكفار، فلما كانوا على قنطرة بالسوس قالوا: يا براء أقسم على ربك! فقال: يا رب! أقسمت عليك لما منحتنا أكتفاهم وجعلتني أول شهيد؛ فأبر الله قسمه، فانهزم العدو واستشهد البراء بن مالك يومئذ.
وهذا هو أخو أنس بن مالك قتل مائة رجل مبارزة غير من شرك في دمه، وحُمِل يوم مسيلمة على ترس ورُمي به إلى الحديقة حتى فتح الباب.
والإقسام به على الغير أن يحلف المقسم على غيره ليفعلن كذا، فإن حنثه ولم يبر قسمه؛ فالكفارة على الحالف لا على المحلوف عليه عند عامة الفقهاء، كما لو حلف على عبده أو ولده أو صديقه ليفعلن شيئاً ولم يفعله؛ فالكفارة على الحالف الحانث].
الأصل أن الكفارة على الحالف إذا حنث؛ لأنه هو الذي عقد اليمين وانعقدت الكفارة في ذمته، حتى لو أن المحلوف عليه هو الذي تسبب، والغالب أنه إذا كان هناك حالف ومحلوف عليه أن وجود الحنث في اليمين يكون بسبب المحلوف عليه، لكن لا تلزمه الكفارة، إلا أن يتطوع أحد بالكفارة عمن حلف، فهذا لا حرج فيه.
إذا وجدت أحداً عليه يمين ووجدته معسراً؛ فلا حرج أن تتصدق له بصدقة يكفر بها عن يمينه، لكنها في ذمته لا ينوب عنه أحد أصلاً، ولا تكون على غيره من حيث الذمة، فكفارة اليمين لاصقة بذمة الحالف.