العمل لله بقدر الحاجة إليه

إذاً: فالعلم بالتطبيق، يقول سهل بن عبد الله: حفظت القرآن وعمري ثمان سنوات، وحفظت أربعين ألف حديث من أحاديث الحبيب المصطفى، وقرأت وعملت كذا وكذا، تتلمذت على يد فلان وفلان إلى آخره، قال: ونظرت إلى هذا كله وعملت بحديث واحد، وهو ما سمعت من فلان! عن فلان! إلى أن وصلت العنعنة إلى سيدنا الحبيب صلى الله عليه وسلم أنه قال: (اعمل لله بقدر حاجتك له، واعمل للدنيا بقدر مقامك فيها، واعمل للآخرة بقدر بقائك فيها، واعمل للنار بقدر صبرك عليها).

فقوله صلى الله عليه وسلم: (اعمل لله بقدر حاجتك له) أنت تحتاج لربنا دائماً وأبداً، والدنيا ما سميت كذلك إلا من الدناءة، أو من الدنو، لكن الله يحب من الأمور أعاليها ويكره أسافلها.

فالعبد في الدنيا قد ينسى وما سمي الإنسان إنساناً إلا لتناسيه، وما سمي القلب إلا لتقلبه، ولذلك يحتاج العبد من يذكره، وقالوا: إن القلب الذي للمسلم لو لم يتداركه بدرس علم كل ثلاثة أيام يمرض ثم يموت، نسأل الله أن يحيي نواة قلوبنا؛ لأن الغذاء الوحيد النافع حقيقة هو غذاء القلب، والمادة الواحدة النافعة هي العلم، وذكر الله، وإن القلوب لتصدأ لو قعدت مع أي أحد؛ لأنها لا تجد إلا فلاناً يشكو من فلان! ويعمل مع فلان! فالشحنة الإيمانية تتسرب؛ لكن الإيمان يريد طاقة متجددة، والإنسان يحتاج من يجدد له إيمانه، ولا يتجدد الإيمان إلا في مجالس العلم؛ لأن مجلس العلم إذا لم يكن رياء ولا سمعة ولا بطراً ولا نحو ذلك، فربنا سيبارك فيه وينفع به.

أما حين أن يدخل درس العلم في جدل، أو بعض النفوس حاضرة لأجل انتقاد فلان فقط، والتكلم عن فلان! فتكون هذه دروساً لا بركة فيها، ولذلك نغضب جداً من بعض الدروس وبالذات التي لكثير من الأخوات، وذلك أنهن بعد أن يقعدن للطلب، إذا ببعضهن يقلن: لا تذهبن عند فلان! ولا فلان! أما يتركن الناس تتعلم، وتتنقل بين العلماء والدعاة، لكن يبدو أن في النفوس أمراضاً لم تشف بعد، فنسأل الله شفاء القلوب والصدور، وصدق اليقين إن ربنا على ما يشاء قدير.

(اعمل لله بقدر حاجتك له) أنا لا أستغني عن الله لحظة، إذاً: فاعمل لله في اليوم أربعاً وعشرين ساعة، وطبعاً لا يحصل هذا، فاعمل للدنيا بقدر مقامك فيها، (وما الإنسان في الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة، ثم راح وتركها) إذاً: فأنت زائر (فكن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل) هكذا يقول الحبيب، ويقول: (مالي وللدنيا).

وسيدنا علي يقول لها: طلقتك ثلاثاً لا رجعة لي فيها.

وابن القيم كان يعلق في حلقة سابقة ويقول: كانت تكفيه واحدة، يعني: سيدنا علي طلق الدنيا ثلاثاً، وهو راوي حديث: (لعن الله المحلل والمحلل له)، أي: حتى لا يرجعها ثانية.

إذاً: فالدنيا عند سيدنا علي ليس لها محلل يرجعها له؛ لأنه راوي الحديث الحاظر للتحليل، ثم يقول رضي الله عنه: آه من قلة الزاد، وطول السفر، ووحشة الطريق.

واعجباه! سيدنا علي معه زاد قليل، ونحن يظن أحدنا أنه عابد زمانه وإمام أوانه، نسأل الله السلامة.

زار الإمام الشافعي الإمام أحمد، والإمام أحمد بن حنبل بنته صالحة، وهي السيدة عائشة بنت الإمام أحمد، فتقول له: يا أبي! أريد أن أسأل الشافعي سؤالاً، فقال لها: اسألي يا بنت! قالت: يا إمام! يقف الشرط على ناصية بيتنا بالمصابيح قبل الفجر، فأخيط أثوابي على ضوء أنوارهم، أهذا حلال أم حرام؟ فبكى الشافعي وقال: لقد ضاع الدين من بعدكم يا آل أحمد بن حنبل! هذه هي التي كان أبوها أحمد بن حنبل لما ذهب لصلاة العصر فوقعت عينه على كعب امرأة، فذهب ووضع العباءة على وجهه وقال: هذا زمن الفتن هذه الدنيا خربت.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015