قال ابن القيم رحمه الله: [صاح بالصحابة واعظ {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ} [الأنبياء:1]، فجزعت للخوف قلوبهم، فجرت من الحذر العيون، فسالت أودية بقدرها].
كناية عن كثرة الدموع، لا كما نحن اليوم لا نبكي إلا في رمضان، ومن أغرب ما حدث لي، أن رجلاً مسلم يعيش في أمريكا اتصل بي وقال: لي: أنت الشيخ عمر؟ قلت: نعم أنا الشيخ عمر! فقال: أنا الدكتور فلان أصبح لي 22 سنة عايش في أمريكا جئت بالصدفة وصليت معك الفجر اليوم، فوجدتك تبكي والناس أيضاً يبكون، ثم صليت الجمعة فوجدت الناس في الدعاء وفي الصلاة يبكون وأنت تبكي، وفي العشاء أيضاً كذلك، هلا أخبرتني لماذا كنتم تبكون؟ فقلت له: أنا عن نفسي كان أحدهم يضغط على رجلي، أما غيري من الناس فلا أعلم لماذا كانوا يبكون!! وإنما قلت له ذلك، لأني حقيقة احترت فيما أقوله له، فاستعنت بالمجاز!! ثم قال ابن القيم رحمه الله: [تزينت الدنيا لـ علي -سيدنا علي بن أبي طالب - فقال: أنت طالق ثلاثاً لا رجعة لي فيك، وكانت تكفيه واحدة -وإنما طلقها ثلاثاً من أجل ألا ترجع له مرة أخرى ولو بمحلل- لكنه جمع الثلاث لئلا يتصور الهوى جواز المراجعة، ودينه الصحيح وطبعه السليم يأنفان من المحلل كيف وهو أحد رواة حديث: (لعن الله المحلل والمحلل له).
ما في هذه الدار موضع خلوة فاتخذه في نفسك -أي: اجعل الخلوة في داخلك- ولابد أن تجذبك الجواذب فاعرفها وكن منها على حذر، لا تضرك الشواغل إذا خلوت منها، وأنت فيها، نور الحق أضوأ من الشمس فيحق لخفافيش البصائر أن تعشو عنه] أي: كما أن الخفاش لا يرى الشمس فإن الظلمة والمنحرفين لا يرون شمس الحق وإن كانت طالعة قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد وينكر الفم طعم الماء من سقم فالعين التي فيها رمد تقول: الشمس لم تطلع، والفم الذي فيه مرض يشرب الماء وليس له طعم.
ثم يشرع ابن القيم رحمه الله يصف الطريق إلى الله فقال: [الطريق إلى الله خال من أهل الشك، ومن الذين يتبعون الشهوات، وهو معمور بأهل اليقين والصبر، وهم على الطريق كالأعلام: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة:24]]، اللهم اجعلنا منهم يا رب العباد، ورضي الله عن ابن قيم الجوزية ورحمه.