ثم قال المصنف رحمه الله تعالى: [كم بين هذا البيت وبيت قد استولى عليه الخراب، وصار مأوى للحشرات والهوام، ومحلاً لإلقاء الأنتان والقاذورات فيه، فمن أراد التخلي وقضاء الحاجة وجد خربة لا ساكن فيها ولا حافظ لها].
أي: يدخل في القلب الشيطان، ويدخل الغل والحقد والجشع والمؤامرات والنفاق، فلن يسكن هذه الأماكن إلا مثل هذا أي: الشيطان، وكما يقول المثل: إن الطيور الشريرة لا تطير إلا ليلاً، مثل الخفاش والبوم، هذه لا تطير إلا ليلاً، وكذلك قلب المؤمن إن خرب وأظلم يسكنه الشيطان، لكن إذا كان القلب نيراً فلن يسكن فيه مثل هؤلاء.
ثم قال المصنف رحمه الله تعالى: [وهي معدة لقضاء الحاجة مظلمة الأرجاء، منتنة الرائحة، قد عمها الخراب وملأتها القاذورات، فلا يأنس بها ولا ينزل فيها إلا من يناسبه سكناها من الحشرات والديدان والهوام، الشيطان جالس على سريرها، وعلى السرير بساط من الجهل].
فبعد أن كان بساط الرضا أصبح بساطاً من الجهل.
ثم قال المصنف رحمه الله تعالى: [وتخفق فيه الأهواء وعن يمينه وشماله مرافق الشهوات، وقد فتح إليه باب من حقل الخذلان والوحشة، والركون إلى الدنيا].
أي: بدلاً من أن كانت مرافق للأوامر والنواهي، فتكون مرافق الشهوات، والأول فتح له باباً من أبواب التوفيق، وهذا -والعياذ بالله- فتح له باباً من الخذلان.
ثم قال المصنف رحمه الله تعالى: [والطمأنينة بها والزهد في الآخرة، وأمطر بوابل الجهل والهوى والشرك والبدع].
والأول كان يمطر بوابل الرحمة وأنواع الخيرات.
ثم قال المصنف رحمه الله تعالى: [وما أنبت فيه أنواع مثمرة من المعاصي والمخالفات، من الزوائد والتنديبات، والنوادر والهزليات والمضحكات، والغزليات والخمريات، التي تهيج على ارتكاب المحرمات، وتزهد في الطاعات، فهي تؤتي أكلها كل حين من الفسوق والمعاصي، واللهو واللعب والمجون، والذهاب مع كل ريح، واتباع كل شهوة، ومن ثمرها: الهموم والغموم والأحزان والآلام، ولكنها متوارية بإشغال النفس بلهوها ولعبها، فإذا أفاقت من سكرها أحضرت كل هم وغم وحزن وقلق ومعيشة ضنك، وأجري إلى تلك الشجرة ما يسقيها من اتباع الهوى، وطول الأمل والغرور، ثم ترك ذلك البيت وظلماته وخراب حيطانه، بحيث لا يمنع منه مفسد ولا حيوان، ولا مؤذ ولا قذر؛ فسبحان خالق هذا البيت وذلك البيت].
فبعد أن كان الأول تنبت فيه أنوع من التسبيح والتهليل والتحميد والتقديس، فهذا أثمر المعاصي والمخالفات، كالزوائد والتنديبات، والنوادر والهزليات والمضحكات، والغزليات والخمريات، التي تهيج على ارتكاب المحرمات وتزهد في الطاعات، وبعد أن كان الأول من ثمرة شجرته الرضا واليقين، فهذا ثمرة شجرته الغموم والأحزان والآلام.
ولذلك قالوا: انظر كم الله عندك، تعرف كم أنت عند الله، فإن كان الله عندك كل شيء، فأنت عند الله كل شيء.
اللهم اجعلنا كل شيء عندك يا أكرم الأكرمين، واختم لنا بالصالحات يا أرحم الراحمين.
اللهم اجعل جمعنا هذا جمعاً مرحوما، وتفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، ولا تجعل يا ربنا بيننا شقياً ولا محروما، اللهم اصرف عن بيوتنا شياطين الإنس والجن، واصرفهم عن قلوبنا، واشرح لنا صدورنا يا أرحم الراحمين.
لا تدع لنا في هذه الليلة ذنباً إلا غفرته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا عسيراً إلا يسرته، ولا كرباً إلا أذهبته، ولا ضالاً إلا هديته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا مظلوماً إلا نصرته، ولا ظالماً إلا قصمته، ولا مسافراً إلا سالماً غانماً لأهله إلا رددته.
اللهم اجعل خير أعمالنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم أن نلقاك، ثقل بهذه الجلسة موازيننا يوم القيامة، اللهم ثبت بها على الصراط أقدامنا يوم تزل الأقدام، واغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين.
وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.