ثم قال المصنف رحمه الله تعالى: [رغبتهم في العلم وتركهم العمل].
تجد بعض الناس عندما يكون في مجلس العلم لمدة ساعة، يستنكر ويريد أن يستمر أكثر من ذلك، ولكن العلم حجة على صاحبه إذا ترك العمل.
مثل ذلك الرجل الذي جاء من أرض العراق يسأل الرسول صلى الله عليه وسلم: (متى الساعة؟ فقال له: ماذا أعددت لها؟! فقال له: ما أعددت لها كثير صلاة ولا كثير صيام، ولكني أحب الله ورسوله، فقال له: أنت مع من أحببت).
ويقول تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه} [الزلزلة:7 - 8]، فالمسألة تريد ترجمة عملية.
ولو أن رجلاً صعد إلى المنبر وقال: اتقوا الله! ونزل من المنبر، لعدت خطبة، وكان سيدنا الحبيب صلى الله عليه وسلم يصعد المنبر ويقرأ سورة (ق)، ويبكي الصحابة جميعاً، ولكن لو أن خطيباً في زماننا هذا قرأ سورة (ق) في الخطبة، لانتظر الناس ماذا سيقول بعدها.
خطب الحسن البصري ذات مرة في يوم جمعة، ثم أتت الجمعة الثانية فخطب نفس الخطبة، وفي الجمعة الثالثة خطب الخطبة نفسها، فقالوا: يا إمام! حفظناها، فقل لنا غيرها، فقال: إذا عملتم بها قلنا لكم غيرها.
وجاء رجل من أهل مكة، وكان مغتاظاً من الحسن، وقال: لماذا هذا الرجل الذي من البصرة يحبه الناس؟! فجلس في مجلسه -أي: في مجلس العلم- وأراد أن يغيظه، فقال له: أنا من مكة، من عندنا خرج العلم، فقال له الحسن: ولم يعد! مثلما يحصل هذه الأيام، كنا واقفين في صف، فجاء رجل وتقدم قبلنا، فقلت له: لماذا تتقدم؟ هل أنت حافظ للقرآن؟ فقال: لا، أنا سعودي! فقلت له: وماذا يعني أنك سعودي، ما دام أنك سعودي فيشك في أمرك.
وذات مرة حضرت درساً في المسجد الحرام، وكان هناك عالم يستفتونه، وأقسم بالله أنه كان يبحث على أصعب فتوى في كل منهج ويقولها، وهو على مذهب الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله، فإذا وجد أحمد بن حنبل أفتى بالتخفيف في مسألة، فتجده يقول: وقال أبو حنيفة! لأن مذهب أبي حنيفة صعب في هذه المسألة، فلماذا هذا؟! وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم ما يخير بين أمرين، إلا اختار الأسهل؛ تخفيفاً للناس.
ولكن هذا المفتي إذا وجد مسألة فيها التخفيف عند أحمد بن حنبل وأبي حنيفة، والشافعي شدد في هذه المسألة، فتجده يفتي بقول الشافعي! إذاً: فالعلم التطبيق، وليس مجرد العلم النظري.