من كلام عبد الله بن مسعود رضي الله عنه

أحمد الله رب العالمين، حمد عباده الشاكرين الذاكرين، حمداً يوافي نعم الله علينا ويكافئ مزيده، وصلاة وسلاماً على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد، اللهم صل وسلم وبارك عليه صلاة وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين.

أما بعد: فإن خير الكلام كلام الله تعالى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا} [الزمر:23]، وقد ذكر فيه الكثير من القصص التي تحمل العظات والعبر، وتنطوي على الدروس التربوية والدعوية، وهي قصص صادقة وردت بأبلغ عبارة وأحسن كلام، ومن أعظمها قصة سيدنا يوسف عليه السلام، وقد أفرد الله تعالى لها سورة كاملة في كتابه الكريم، وقال في مقدمة هذه السورة: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ} [يوسف:3].

ونقف في هذا اليوم مع ابن القيم رحمه الله في كتابه الفوائد وهو يتحدث عن هذه العظمة فيقول رحمه الله تعالى: [لو أن شخصاً أقسم بالطلاق أن يحكي لشخص أحسن قصة ولم يحك له قصة يوسف عليه الصلاة والسلام فإن امرأته تكون طالقاً؛ لأن الله يقول: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ} [يوسف:3]]، فعندما يحكي الرجل قصة ويقول: هذه أحسن قصة ويقسم بالطلاق، فإن الطلاق يكون واقعاً.

وأحسن القصص عند الله القرآن الكريم، فلو أن شخصاً حكى لك حكاية وقال: أقسم بالله العظيم سأحكي لك حكاية لم تسمع أعظم منها، ويحكي حكاية من غير القرآن ومن غير قصة سيدنا يوسف، فلابد أن يكفر عن يمينه، وإن حلف بالطلاق فتكون امرأته طالقاً.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وأشرف الحديث ذكر الله، وخير القصص القرآن، وخير الأمور عواقبها].

ولذلك يقال: والعاقبة عندكم في المسرات.

قال: [وشر الأمور محدثاتها، وما قل وكفى خير مما كثر وألهى].

أي: الذي يقل ويكفيك أحسن من الذي يكثر ويطغيك، وقليل تشكره خير من كثير لا تطيقه، فأنت تأخذ قليلاً من القمح وتستطيع أن تأخذه، أما إذا أخذت كمية كبيرة وتريد أن تحمله فإنك لا تستطيع أن تحمله، إذاً: ما قل وكفى خير مما كثر وألهى.

قال: [ونفس تنجيها خير من إمارة لا تحصيها].

أي: عندما تنجي نفسك خير من أن تأخذ كرسي الوزارة.

قال: [وشر المعذرة حين يحضر الموت].

أي: أسوأ الاعتذارات عندما يأتي الموت، فلا ينفع هذا الاعتذار.

قال: [وشر الضلالة الضلالة بعد الهدى].

ولذلك لابد أن تدعو الله وتقول: اللهم إني أعوذ بك من السلب بعد العطاء؛ لأن الله عندما يعطي شخصاً شيئاً ثم يسلبه منه فهذه مصيبة، وليس لها عوض، اللهم ثبت تقوانا وإيماننا يا رب العباد.

قال: [وخير الغنى غنى النفس، وخير الزاد التقوى، وخير ما ألقي في القلب اليقين، والريب من الكفر] فالريب -أي: الشك- درجة من درجات الكفر والعياذ بالله.

قال: [وشر العمى عمى القلوب] وقال تعالى: {فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج:46].

قال: [والخمر جماع الإثم] أي: أم الكبائر.

قال: [والنساء حبائل الشيطان].

قال الله في السارق: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة:38]، وقال في الزنا: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي} [النور:2]، ففي السارق بدأ بالرجل أولاً؛ لأنه في الغالب هو الذي يسرق، وفي الزنا بدأ بالمرأة؛ لأنها هي التي تفتن في الغالب.

قال: [والشباب شعبة من الجنون، والنوح من عمل الجاهلية].

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من ناحت على ميت ولم تتب كأنما أخذت حربة تحارب بها رب العباد، أو كمن هدمت الكعبة بيديها، ومن ناحت على ميت ولم تتب بعثت يوم القيامة ناشرة شعر رأسها، عليها سرابيل من قطران، تأخذها الملائكة إلى النار، ويتولون لها: ادخلي النار ونوحي على أهلها كما تنوحين في الدنيا)، فهل هناك أسوأ من هذه الجنازة، وهل هناك أسوأ من هذه المندبة؟! وعندما يموت الميت تحضر الملائكة مباشرة وتؤمن على أي قول يقال، فإن قيل: اللهم صبرني، تقول: اللهم صبره يا رب! وإن قيل: اللهم أنزل علي السكينة، تقول: اللهم أنزل عليه السكينة فتنزل، وإن قيل: وامصيبتاه! تقول الملائكة: مصيبة دائمة إن شاء الله، وإن قيل: يا ذا الحزن! تقول: حزن دائم إن شاء الله، وإن قيل: أين نذهب؟ ليس لنا أحد، تقول: اللهم لا تجعل له أحداً يا رب العباد، وهكذا تؤمن الملائكة على الدعاء.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا حضرتم الميت فلا تقولوا إلا خيراً؛ فإن الملائكة تؤمن على دعائكم).

فالمصيبة أن هذا الكلام يسمع فإذا حصل الموت فإنهم يقولون هذا الكلام، ففي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه مروا على امرأة جالسة بجانب القبر تبكي وتنتحب، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اصبري يا أمة الله ولك الجنة، قالت له: إليك عني فإنك لم تصب بمصيبتي، فقيل لها: أتدرين من هذا؟ قالت: لا، قالوا: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجرت وراءه، وقالت: أصبر يا رسول الله! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما الصبر عند الصدمة الأولى).

قال: [ومن الناس من لا يأتي الجمعة إلا دبراً، ولا يذكر الله إلا هجراً].

دبراً: أي: متأخراً، ومعلوم أن الإمام إذا صعد على المنبر انتهى الموضوع بالنسبة للمتأخر وضاع ثواب الجمعة، لكن الصحابة كانوا يجعلون يوم الجمعة عيداً، فقد ورد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الفجر ويمكث في المسجد حتى الضحى، ثم يخرج فيغتسل، وينظر ماذا يريد أهل بيته، ثم يعود إلى المسجد؛ ففي يوم الجمعة يجمع المسلمون في بيت الله.

قال: [ومن أعظم الخطايا اللسان الكذاب، ومن يعف يعف الله عنه، ومن يكظم الغيظ يأجره الله، ومن يغفر يُغفر له، ومن يصبر على الرزية يعوضه الله].

يعني: يبدله خيراً.

قال: [وشر المكاسب كسب الربا، وشر المأكل مال اليتم، وإنما يكفي أحدكم ما قنعت به نفسه، وإنما يصير إلى أربعة أذرع].

أربعة أذرع يعني: ثلاثة متر، والمقصود: القبر، فكل الأتعاب والراحة في الدنيا تنتهي، ولا يأخذ أحد في القبر أكثر من ثلاثة أمتار: متران طولاً ومتر عرضاً، ففي هذه المنطقة المظلمة يضعون الميت ويقفلون عائدين، فهم مسافرون يبكون على مسافر قد وصل.

وقد قيل لبعضهم: لم خلق الله الذباب؟ قال له: ليذل به المتكبرين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015