قال المصنف رحمه الله تعالى: [وهذان الأمران هما جماع الدين].
والأمران هما: الشكر والذكر.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [فذكره مستلزم لمعرفته، وشكره متضمن لطاعته].
أي: فما دمت قد ذكرت الله فقد عرفت الله أنه ستار وغفار وحليم وشكور والخ، وإذا شكرت الله فقد تضمنت طاعة الله عز وجل.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [وهذان هما الغاية التي خلق لأجلها الجن والإنس والسموات والأرض، ووضع لأجلها الثواب والعقاب، وأنزل الكتب، وأرسل الرسل].
فإذا لم يكن الإنسان من الذاكرين، سيكتب من الغافلين، وإذا لم يكن من الشاكرين سيكتب من الذين لم يشكروا الله على نعمه، قال تعالى: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ:13]، اللهم اجعلنا من الشاكرين.
0 وأحد تلاميذ الحسن البصري عندما أتى له بحلوى الفالوذج لم يأكل، فقال له الحسن: لماذا لا تأكل؟ قال: أخاف ألا أؤدي شكرها، فقال له: يا لكع! أأديت شكر الماء البارد لله حتى تخاف ألا تؤدي شكر الحلوى؟! وأبو حنيفة كان له جار يهودي، فقال له يوماً: عندما كنت في طريقي إلى المسجد استندت إلى حائط بيتك، قال: وما في هذا شيء يا أبا حنيفة؟! فقال: أخاف أن تطلبني بحقها يوم القيامة.
فكان هذا سبباً في هداية الرجل، فالإسلام قدوة وليس كلاماً.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [وهى الحق الذي به خلقت السماوات والأرض وما بينهما، وضدها هو الباطل والعبث الذي يتعالى ويتقدس عنه، وهو ظن أعدائه به، قال تعالى: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا} [ص:27]].
فالكفار يظنون أن الله خلق السموات والأرض للعب، وكما قلنا: إن الكرة لها قانون، وأي رياضة لها قانون، وأي شيء في الحياة له قانون، والصلاة لها قانون وفرائض وسنن، وبعض الناس يقولون: لا تشددوا علينا، فإن ربنا غفور رحيم وسيتقبل منا! ولا يعلمون أن تقبل الأعمال له قانون أيضاً.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [وقال: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ * مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ} [الدخان:38 - 39].
وقال: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ} [الحجر:85].
وقال بعد ذكر آياته في أول سورة يونس: {مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ} [يونس:5].
وقال: {أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى} [القيامة:36].
وقال: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ} [المؤمنون:115].
وقال: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56].
وقال: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا} [الطلاق:12].
وقال: {جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [المائدة:97].
فثبت بما ذكر أن غاية الخلق والأمر: أن يذكر وأن يشكر، يذكر فلا ينسى، ويشكر فلا يكفر.
وهو سبحانه ذاكر لمن ذكره، شاكر لمن شكره، فذكره سبب لذكره، وشكره سبب لزيادته من فضله؛ فالذكر للقلب واللسان، والشكر للقلب محبة وإنابة، وللسان ثناء وحمد، وللجوارح طاعة وخدمة].
قوله: [والشكر للقلب محبة وإنابة]، فإذا كنت شاكراً لله بالقلب، فثمرته محبة وإنابة، والإنابة هي رجوع العبد إلى المولى عز وجل.
وقوله: [وللسان ثناء وحمد] أي: أثني على الله بما هو أهله.
وقوله: [وللجوارح طاعة وخدمة] وهذا الكلام لم يأت به ابن القيم من عنده، وإنما استنبطه من الأثر وهو: الإيمان تصديق بالجنان، وقول باللسان، وعمل بالأركان.
اللهم اجعل قلوبنا أوابة منيبة محبة لك يا رب العباد! واجعل ألسنتنا مثنية عليك حامدة لك، واجعل جوارحنا مطيعة لك وخادمة، يا أرحم الراحمين!