((لا يأتي زمانٌ إلا والذي بعده شرٌ منه حتى تلقوا ربكم)) يعني: حتى تموتوا ثم تبعثون، "سمعته من نبيكم -صلى الله عليه وسلم-" وهذا مثل ما قلنا: إجمالي، ((لا يأتي زمانٌ إلا والذي بعده شرٌ منه)) قد يقول قائل: كيف هذا حديث مرفوع وصحيح، وقاله النبي -عليه الصلاة والسلام-، مخرج في أصح الكتب؟ والآن في عصر الصحابة شكوا من الحجاج، اختفوا عن الحجاج وهم صحابة، أفضل الناس بعد الأنبياء، ثم بعد كم سنة؟ ثلاثة عقود جاء عمر بن عبد العزيز هل نقول: إن العصر الذي عاش فيه الحجاج أفضل من عصر عمر بن عبد العزيز؟ انتشر العدل، وعم الأمن، وفاض الخير، هل نقول: إنه أفضل؟ أن العصر الذي فيه الحجاج أفضل من عصر عمر بن عبد العزيز؟ إن قلنا: هذا .. ، لا بد أن نقول: إن عصر الحجاج أفضل من عصر عمر بن عبد العزيز وإلا خالفنا الحديث؛ لأن عمر بن عبد العزيز بعد الحجاج، كيف نقول: إن عصر عمر بن عبد العزيز الذي عم فيه العدل والأمن والرخاء، وفي عهد الحجاج عم الظلم، حتى الصحابة أصابهم ما أصابهم من الظلم والذل من الحجاج، وأعوان الحجاج، ماذا نقول؟ لا شك أن هذا استشكله بعضهم، وأيضاً وجد في العصور المتأخرة في بعض الأقطار ما هو أفضل مما هو قبله في القطر نفسه.
ونعود ونقول: إن هذا إجمالاً، إذا نظر إلى الأمة بكاملها، إذا نظرنا إلى الأمة في عصر الحجاج نعم، في البلد الذي تسلط فيه الحجاج لا شك أنه الظلم ظاهر، لكن في البلدان الأخرى والصحابة متوافرون، عصرٌ يعيش فيه كثيرٌ من الصحابة لا شك أنه خيرٌ بكثير من العصر الذي يليه، ولو كان الظاهر أن الخير والظلم أو بعض الظلم ارتفع قد يكون في بعض الجهات في عصر الحجاج أفضل بكثير مما حصل في عهد عمر بن عبد العزيز والعكس، فالحديث صحيحٌ لا إشكال فيه، وأفعل التفضيل هنا على سبيل الإجمال، والله المستعان.