((وحتى يمر الرجل بقبر الرجل فيقول: يا ليتني مكانه)) يعني ليته مات، تمنى الموت لما يرى من عظيم البلاء من الفتن والمحن، يقول القسطلاني: "لما يرى من عظيم البلاء، ورياسة الجهلاء، وخمول العلماء"، يقول القسطلاني: "واستيلاء الباطل في الأحكام، وعموم الظلم، واستحلال الحرام، والتحكم بغير حق في الأموال والأعراض والأبدان"، يقول: "كما في هذه الأزمان"، في القرن التاسع وأوائل العاشر، يتمنى الإنسان الموت لما يرى من هذه الأمور المؤلمة التي تعتصر القلب، مر بنا في درسٍ صادق أنه لا يجوز تمني الموت لضرٍ نزل به، وأن هذا الضر إذا كان في أمور الدنيا، التحسر على أمور الدنيا تمني الموت من أجل الدنيا إما في مال أو بدن، لكن إذا كان يخشى على دينه الذي هو رأس ماله، ويغلب على ظنه أنه لن يزداد من أعمال الخير يسوغ له ذلك، وعرفنا سابقاً أن طول البقاء في الدنيا إنما يتمناه المسلم للازدياد من العمل الصالح، فإذا كان في سفالة وفي نقص فالموت خيرٌ له.
((وحتى تطلع الشمس من مغربها فإذا طلعت -يعني من مغربها- ورآها الناس آمنوا أجمعون)) وأجمعون تأكيد لضمير الجمع، لكن هل ينفع نفساً إيمانها؟ ثلاث علامات كما جاء في الحديث الصحيح: ((ثلاث علامات من علامات الساعة لا ينفع معها إيمان، ولا تقبل معها توبة، الدجال والدابة وطلوع الشمس من مغربها)) في الصحيح، في صحيح مسلم، وهنا يقول: ((فإذا طلعت ورآها الناس يعني آمنوا أجمعون فذلك حين {لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا} -يعني إن لم تكن آمنت من قبل لا ينفعها الإيمان- {لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا} [(158) سورة الأنعام] " يعني لا الدخول في الإسلام ينفع، وهذا القسم الأول، {لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا} {أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا} ولا العمل الصالح ينفع بعد فوات الأوان، فالمسلم المفرط لا تنفعه التوبة حينئذٍ، والكافر لا ينفعه الإسلام إذا طلعت الشمس من مغربها.