((وتظهر الفتن -يعني تكثر- ويكثر الهرج وهو القتل)) قد سبق الكلام في هذا كله، والهرج هو القتل بلسان الحبشة على ما تقدم، ((وحتى يكثر فيكم المال فيفيض حتى يهم رب المال)) يعني يحزنه ويبعث الهم عنده والغم ماله الذي لا يجد من يقبله منه، يعني يجد الصراع النفسي، هو مأمور بإخراج هذا المال، بل الأمر به ركنٌ من أركان الإسلام، مأمور بإخراج الزكاة، مأمور بإخراج الصدقة الإنفاق في سبيل الله، لكن يبحث ما يجد، وأنتم تعرفون أن الصدقة في وقت الحاجة أمرها عظيم، من الأمثلة على ذلك الصدقة باللحم في الأيام العادية، طول السنة تجد من يقبله، بل كثيرٍ ممن يقبل، لكن أحياناً يوم العيد قد تأتي إلى فلان وعلان يقول: والله لا حاجة لنا به، فكيف إذا كان في آخر الزمان؟! يدور الإنسان بصدقته بزكاته لا يجد من يقبلها، وهذا لا شك أنه يهم ويحزن لا سيما من فرط بالزكاة والإنفاق في سبيل الله في الوقت الذي يوجد فيه من يقبلها.
((وحتى يعرضه فيقول الذي يعرضه عليه: لا أرب لي به)) يعني لا حاجة لي به، وتقدم قول الرجل: "لو جئت بها بالأمس لقبلتها أما في اليوم فلا"، وهذا زيادة في الهم، ((وحتى يتطاول الناس في البنيان)) مباهاة بكثرة الأدوار وهذا موجود، فلان بنا عمارة عشرة أدوار، ثم يقول: لا، أنا بنيت خمسة عشر دور، يقول الثالث: لا، إحنا فوق، جاءت لنا الآن ناطحات السحاب، يتطاول الناس في البنيان مباهاة، وإلا إذا كان لحاجة فلا بأس به، لحاجة إذا كثر الناس وازدحموا والأرض يصعب فيها الامتداد الأفقي لضيقها لا مانع أن يرتفع البنيان لاستيعاب الناس، لكن مع التوسط، لا مانع من أن يبني الإنسان منزل يليق به من غير سرف ولا مخيلة، أما المراد بالتطاول بالبنيان كما جاء في حديث جبريل: ((وأن ترى الحفاة العراة البهم رعاء الشاة يتطاولون في البنيان)) أظن هذا لا يحتاج إلى استشهاد، شواهده كثيرة.