وقد سالت أودية بالنار إلى وادي شظا مسيل الماء، وقد مدت مسيل شظا وما عاد يسيل، والله لقد طلعنا جماعة نبصرها فإذا الجبال تسيل نيراناً، وقد سدت الحرة طريق الحاج العراقي، فسارت إلى أن وصلت إلى الحرة فوقفت بعد ما أشفقنا أن تجيء إلينا، ورجعت تسيل في الشرق، فخرج من وسطها سهود وجبال نيران تأكل الحجارة، فيها أنموذج عما أخبر الله تعالى في كتابه: {إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ * كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ} [(32 - 33) سورة المرسلات]، وقد أكلت الأرض، وقد كتبت هذا الكتاب يوم خامس رجب سنة أربع وخمسين وستمائة والنار في زيادة ما تغيرت، وقد عادت إلى الحرار في قريظة طريق عير الحاج العراقي إلى الحرة كلها نيران تشتعل نبصرها في الليل من المدينة كأنها مشاعل الحاج، وأما أم النار الكبيرة فهي جبال نيران حمر، والأم الكبيرة التي سالت النيران منها من عند قريظة، وقد زادت وما عاد الناس يدرون أي شيء يتم بعد ذلك، والله يجعل العاقبة إلى خير، فما أقدر أصف هذه النار.
الله أكبر، لا إله إلا الله ما أعظمه! وما أهون الخلق عليه إذا هم عصوه، هذه نار قد لا يكون لها سبب إلا غضب الجبار -جل وعلا-، فالله -سبحانه وتعالى- يغار إذا انتهكت محارمه، هذه نار تضيء تكتب عليها الكتب، علامة، علمٌ من أعلام نبوة محمد -عليه الصلاة والسلام-، فنخشى أن يعمنا بعقابٍ من نار أو بركان أو زلزال أو يسلط بعضنا على بعض لوجود هذه المنكرات التي عمت وصار إنكارها مما يصعب تصوره على كثيرٍ من الناس، والأمر يسير، لو تعاون الناس وتكاتفوا على الإنكار وتواطئوا عليه، وتحملوا ما يصيبهم من سببه وجرائه، فعذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، هذه نار أكثر من ألوف الكليوات تضيء أعناق الإبل هناك، أمره إذا أراد شيء أن يقول له: كن فيكون، أمرٌ يسير، يعني هزة خفيفة في الجزائر راح ضحيتها ألوف، ألوف مؤلفة، هزة يسيرة، وبعض المناطق مهدد، والله المستعان، قال أبو شامة، نعم.