والشمط: اختلاف أو اختلاط الشعر الأبيض بالأسود، اختلاط الشعر الأبيض بالأسود، "شمطاء ينكر لونها وتغيرت" أي تبدل حسنها قبحاً، "مكروهة للشم والتقبيلِ" ولذا لا يرغب فيها أحد؛ لأنها عجوز شمطاء، قبيحة المنظر، قبيحة الرائحة، مكروهة للشم والتقبيل، من يريدها مثل هذه؟ وهذا مطابق لهذه الفتن، وهذه الحروب لا شك أنها تقبل فتية نشيطة، يستشرف لها الجهال والأغمار، ثم يدخل فيها غيرهم، ثم إذا اشتبكت والتحمت ولت شمطاء، وقد يكون وجه التشبيه من وجهٍ آخر أن الناس فيهم قوة وشباب وحماس ونشاط في أول الحرب، ثم إذا طال أمد هذه الحرب تركتهم الحرب، وقد صاروا في وضعٍ يشبه هذه الشمطاء، تبعثرت أحوالهم، وتفرق اجتماعهم، فلا يرغب أحدٌ في السكنى معهم؛ لأن هذه الحروب أخذت مأخذها منهم.
ثم قال الإمام -رحمه الله-: "حدثنا عمر بن حفص بن غياث حدثنا أبي -حفص بن غياث- قال: حدثنا الأعمش -سليمان بن مهران- قال: حدثنا شقيق -وهو ابن سلمة أبو وائل- سمعت حذيفة بن اليمان يقول: "بينا نحن جلوس عند عمر" حديث حذيفة في الفتن ... ، على كل حال الأبيات الثلاثة التي فاتت الفائدة منها، ومن التمثل بها في أوقاتِ الفتن، الفائدة من ذلك الحذر من الدخول في هذه الفتن، والاغترار فيها، والمشاركة فيها؛ ليكون الإنسان على ذكرٍ من نهايتها، هي في بدايتها تستهوي الأغرار والجهال، ومن لديه حب الاستطلاع، ومعرفة ما سيؤول إليه الأمر، هؤلاء تستهويهم، فيذكر الإنسان بالعواقب قبل الدخول في أوائلها؛ لأنه إذا دخل في أولها، وتورط فيها فالنتيجة حتمية، ومعلومٌ أن مثل هذا يكون في الفتن التي بين المسلمين مما لا يترجح فيه إحدى الكفتين.