وهذا أيضاً أثر موقوف على علي -رضي الله عنه- في طريقه ليث بن أبي سليم، يقول: "ألا أخبركم بالفقيه حق الفقيه" الفقيه حق الفقيه الذي هو بمنزلة الطبيب الماهر "الذي لا يقنط الناس من رحمة الله" نعم لأن القنوط واليأس من رحمة الله موبقة من الموبقات، هذا يبعث على الترك، ترك العمل، كما أنه أيضاً بالمقابل لا يؤمنهم من مكر الله، فينبغي أن يكون طبيباً حكيماً نبيهاً، يضع العلاج في موضعه، يشخص الداء ويضع العلاج، وذكرنا أنه إذا وجد هذا الفقيه الذي هو بمنزلة الطبيب، هذا العالم في مجتمع لحظ فيه التفريط يعالج مثل هؤلاء بنصوص الوعيد، ليردهم إلى حضيرة التوسط؛ لأنهم في الأصل مفرطون، لكن بالعكس إذا لحظ في مجتمعه الإفراط والتطرف والغلو يعالج داءهم بنصوص الوعد، فلا يقنط من رحمة الله، ولا أيضاً يجعلهم يأمنون من مكر الله، هذا هو الفقيه كل الفقيه "ولا يرخص للمرء في معاصي الله" لا يرتكب الرخص باستمرار، ويتتبع الأقوال التي تسهل على الناس على حد زعمه، الآن يُنادى بفقه التيسير الذي هو في الحقيقة فقه التضييع، فقه التضييع والتمييع ويستدل لذلك بأن الدين يسر، نعم الدين يسر {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [(78) سورة الحج] لكنه أيضاً دين عبودية، دين عبودية ودين تكاليف، والجنة حفت بالمكاره، والتكليف إلزام ما فيه كلفة ومشقة، ماذا يقول صاحب فقه التيسير عن صيام الهواجر؟ ماذا يقول عن قيام الليل؟ قام حتى تفطرت قدماه -عليه الصلاة والسلام-، نعم التيسير في مقابل العسر، في مقابل الآصار والأغلال التي كانت على من قبلنا، تكليف ما لا يطاق، ما عندنا تكليف ما لا يطاق، يعني ما كلفنا في اليوم والليلة ألف ركعة، لا، خمس صلوات كتبهن الله في اليوم والليلة، ومن زاد زاد أجره ((أعني على نفسك بكثرة السجود)) فمثل هذه الأمور التي هي في مقدور العبد هي داخلة في التيسير، ويشملها إن الدين يسر، أما ما لا يطيقه الإنسان ((مه، عليكم من الدين ما تطيقون، فإن الله لا يمل حتى تملوا)) فعلى الإنسان أن يرفق بنفسه بحدود، ولا يعطيها من الآمال ويفتح لها الآفاق بحيث يترك العمل، لا، فالمسألة مسألة توسط، فلا يرخص للمرء في معاصي الله،