هذا الأثر عن الحسن بن أبي الحسن البصري التابعي الجليل يقول: "أفضل العلم الورع والتفكر" يعني قد يكون الإنسان عنده شيء من العلم، يعرف شيء كثير من الأحكام، لكن إذا لم يتصف بالورع والتفكر والاعتبار لا يفيده علمه خشية الله -جل علا-، والعلم الذي لا يورث الخشية لا قيمة له، لا قيمة له، {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء} [(28) سورة فاطر] فإذا استفاد من علمه الورع، الورع والتفكر والاعتبار في مخلوقات الله -جل وعلا-، والاستدلال بمخلوقاته عليه وعلى عظمته، حينئذ يكون استفاد من علمه، أما إذا لم يتصف بالورع فلا قيمة له، ولا قيمة لعلمه، ولا قيمة لفتواه؛ لأنه لا يؤمن على العلم إذا لم يكن هناك ورع، قد يفتي بعرض من الدنيا، وحينئذٍ يكون ضالاً مضلاً، إذا أفتى في مقابل عرض من الدنيا بغير ما حكم الله به، ولذا يقرر أهل العلم أن الورع شرط لقبول الفتيا.
وليس في فتواه مفت متبع ... ما لم يضف للعلم والدين الورع
لا بد من الورع، والورع التحري والتثبت سواءً كان في مسائل العلم، أو في مسائل المحسوسات من مال ومأكل ومشرب وغير ذلك، لا بد أن يتحرى ويتثبت، نعم.
"حدثنا أبو خيثمة قال: حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري، قال: حدثني أبي عن ثمامة بن عبد الله قال: "كان أنس -رضي الله عنه- يقول لبنيه: يا بني قيدوا العلم بالكتاب".
نعم هذا أمر من الصحابي الجليل أنس بن مالك يقول لبنيه وبنوه فيهم كثرة كاثرة؛ لأنه دعا له النبي -عليه الصلاة والسلام- بكثرة المال والولد وعُمّر، فرأى من صلبه ومن أحفاده وأسباطه العدد الكبير، وفيهم طلاب علم، فيهم طلاب علم كثير، ولذا يوصيهم بأن يقيدوا العلم بالكتابة؛ لأن الحفظ خوان، تسمع الكلام لا تقيده تندم فيما بعد.
فالعلم صيد والكتابة قيده ... قيد صيودك بالحبال الواثقة
كما هنا تمر عليك فائدة ما يصير معك قلم، وإلا تقول: خلاص أنا بحفظها ويكفي، تتمناها في أحلك الأوقات، وأحرج الظروف ما تسعفك الحافظة، فإذا قيدتها على ألا تعتمد على هذا القيد، يعني أنت قيد هذه، احفظها وقيدها وتعاهدها من الكتاب، وحينئذ تثبت -إن شاء الله تعالى-، نعم.