أبو هريرة -رضي الله عنه- حافظ الأمة قد يتعرض مثل هذا للاتهام، يعني كيف حفظت شيء وأنت ما أسلمت إلا في السنة السابعة من الهجرة قبيل الوفاة النبوية ومع النبي -عليه الصلاة والسلام- من أسلم قبلك بعشرين سنة وما حفظ ما حفظت؟ من أين جئت بهذا العلم؟ يتهم بكثرة الحديث، لكن بسبب الدعوة النبوية، والحرص الشديد، وبذل الأسباب ونفي الموانع أدرك أبو هريرة ما أدرك، وأنتم عاصرتم وقرأتم وسمعتم أن من أهل العلم من صار من بحور العلم في زمن يسير، في زمن يسير، وبعضهم من استمر العقود ما أدرك شيء يذكر، هذه هبات وأعطيات من الله -جل وعلا-، الإنسان ما يأخذ بيده، لكن عليه أن يبذل السبب.
"إنكم تزعمون أن أبا هريرة يكثر الحديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، والله الموعد" يعني بيني وبينكم إن كنت كذبت عليه فسوف يعاقبني، وإن كنتم كذبتم علي واتهمتموني فسوف يعاقبكم "والله الموعد، كنت رجلاً مسكيناً أخدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على ملء بطني" بهذا يقال: إن التقلل من الدنيا أفضل من التكثر لمن يريد العلم "على ملئ بطني، وكان المهاجرون -أصحاب الأموال- يشغلهم الصفق بالأسواق" بيع وشراء متى يفرغون لطلب العلم؟ "وكانت الأنصار يشغلهم القيام على أموالهم" أهل زروع، وقل مثل هذا في أهل العقارات، مثل أهل الصنائع، مثل أهل الوظائف المشغلة، هذه تشغلهم أعمالهم عن تحفظ الحديث، وهو لا يذم بذلك المهاجرين ولا الأنصار، إنما يبين الواقع، والشغل بالتجارة في الأسواق أو في الأموال والحروث والزروع والضياع .... ، هذا لا يذم بل مع النية الصالحة يصبح عبادة، وهذا أمر لا بد من القيام به في الأمة، لا بد من القيام بما تحتاجه الأمة، لكن هو يريد أن يوضح موقفه "فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من يبسط ثوبه فلن ينسى شيئاً سمعه مني)) فبسطت ثوبي" بادر وبسط ثوبه، "فبسطت ثوبي حتى قضى حديثه، ثم ضممتها إلي -يعني الثوب- فما نسيت شيئاً سمعته بعد".
ببركة هذه الدعوة النبوية صار لا ينسى شيئاً، والله المستعان، نعم.