جاء في الحديث الصحيح: ((من رأى منكم منكراً فليغيره بيده)) ((من رأى منكم)): هذه (من) من صيغ العموم تتجه إلى كل من يسمع هذا الكلام، كل من يتجه إليه الخطاب يتعين عليه، ((من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه)) الذي لا ينكر المنكر بقلبه ليس عنده إيمان بالكلية، ليس له على ذلك من الإيمان حبة خردل -نسأل الله السلامة والعافية- لكن ينبغي أن نفقه كيف ننكر المنكر، بحيث لا يترتب على المنكر شر أعظم منه، مفسدة أعظم منه، منكر أعظم منه؛ لأن الإنسان قد يثق بنفسه ثم بعد ذلك يجرؤ على إنكار منكر بيده، أو بلسانه في بعض المناسبات وبعض الأماكن يترتب على ذلك منكر أعظم منه، إما يختصه وهذا مسألة ارتكاب العزيمة، مسألة معروفة عند أهل العلم، وارتكبها بعض الصحابة، لكن الإشكال إذا كان هناك مفسدة متعدية إلى غيره، هنا حينئذ يلزمه أن يكف، يكف عن الإنكار ويكتفي بالإنكار بقلبه، وعلى كل حال خصيصة هذه الأمة وسبب تفضيلها على سائل الأمم هو أيش؟ قيامها بهذه الشعيرة، {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} لماذا؟ لأنكم عرب؟ لا، لأنكم تسكنون هذه البلاد؟ لا، السبب: {تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ} [(110) سورة آل عمران]، هذه خصيصة، هذه مزية هذه الأمة، أما إذا عطلنا هذه الشعيرة ما صار لنا مزية أبداً على سائر الأمم، بل حلت بنا العقوبة، وحلت بنا المثلات، وصدمنا الغير، لكن إذا وجدت المدافعة للمنكرات والشرور بالطرق المناسبة والطرق المتاحة، يدفع الله عنا بذلك الشر العظيم، لكن الإشكال في التواطؤ على السكوت، وإقرار المنكرات هو الذي يجعلها تستشر وتزيد ثم يعلن الناس العجز، ثم يقولون: عمت بها البلوى، ما عمت البلوى حتى تواطئنا على السكوت، وإلا لو كل إنسان يمر على صاحب محل يبيع شيئاً محرماً، يقول له: هذا محرم، ما صارت مثل هذه المنكرات، لو كل واحد منا يمر على مستوصف أو مستشفى به مخالفات لو يدخل بس مع الباب يهابونه الفساق فضلاً عن كونه يسدي نصيحة أو كلمة أو يتحسس بعض الأمور التي قد توجد بل استفاضت في بعض المحافل، وقصور الأفراح والاجتماعات

طور بواسطة نورين ميديا © 2015