قال: "فجعلت لا أعمل شيئاً إلا عمل مثله": يعني لا أقدم له الخدمة إلا قدم لي مثلها، "لا أعمل شيئاً إلا عمل مثله": مكافأة، لذا بعض الناس يفرح أن يجد من يخدمه ويريحه من بعض الأمور، نعم خدمة أهل الفضل مطلوبة، لكن أيضاً أهل الفضل لا ينبغي أن يكونوا عالة على غيرهم، يَخدِمون ويُخدَمون، لكن إذا كانت خدمتهم من أجل إراحتهم وتفرغهم للعلم والتعليم ونشر الفضل هذه قربة وعبادة، أما خدمتهم لذواتهم فهذه مسألة أخرى، فمن صنع إليك معروفاً فكافئه، من خدمك اخدمه.
"فجعلت لا أعلم شيئاً إلا عمل مثله، قال: فانتهينا إلى دجلة": النهر المعروف في العراق، "وقد مدَّت": المد معروف، الذي يقال خلاف الجزر، نعم يعني زاد في مائه حتى طلع وتعدى حدَّه، هذا المد، والجزر نقصانه.
"قد مدت وهي تطفح": قد تناولت بعض اليابس، فقال: "لو سقينا دوابنا، فقلنا: لو سقينا دوابنا؟ قال: فسقينا": سقينا الدواب، "ثم بدا لي أن أشرب فشربت": شربت من دجلة، "فلما رفعت رأسي": من الشرب، "قال: يا أخا بني عبس عُد فاشرب": اشرب ثانية؛ لأنه لو سأله قبل احتمال يقول: أنا ما شربت إلا شيئاً قليلاً، لكن اشرب ثانية، ولو شربت ثالثة وعاشرة ومائة، ماذا ينقص النهر شربه هذا؟
"يا أخا بني عبس عد فاشرب، قال: فعدت فشربت وما أريده": يعني ما له حاجة للشرب روي قبل ذلك، "إلا كراهة أن أعصيه، ثم قال لي: كم تراك نقصتها؟ ": نقص؟ كم تراك نقصتها، نقصت هذه الجهة هذا النهر؟ "قال: قلت: يرحمك الله، وما عسى أن ينقصها شربي؟ ": يريد أن يمثل، يقارن المعقول ويبينه بالمحسوس، "قلت: يرحمك الله، وما عسى أن ينقصها شربي؟ قال: وكذلك العلم تأخذه ولا تنقصه شيئاً": نعم العلم مهما أخذ منه، ومهما تزود الإنسان منه، أولاً أنك لا تنقص من أخذت منه العلم؛ لأن العلم يزيد بالإنفاق، ما ينقص.
الأمر الثاني: أنك قد أخذت فأنت ومن أخذت منه وممن أخذ منه كل هذا شيء يسير لا يذكر في جانب علم الله -جل وعلا-؛ {وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً} [(85) سورة الإسراء]، وما علم موسى والخضر إلا كما نقر العصفور من البحر بالنسبة لعلم الله -جل وعلا-.