قد يقول قائل: كون الإنسان صائم في هذا الموقف متعرض لنفحات الله على أكمل حال، وأكمل هيئة، صائم، وصيام يوم عرفة يكفر سنتين، هذا أجر أجدر وأحرى للقبول، لماذا لا نصوم؟ والمسألة الآن لا تكلف يعني ما هنا مشقة مع التكييف، ومع الأمور التي تساعد الراحة، كثيرة، ومتيسرة -ولله الحمد-، فيقول: لماذا لا أضم مع الوقوف في هذا الموقف العظيم التعرض لنفحات الله، وأتوسل إليه، وأتقرب إليه بالصيام الذي يكفر سنتين؟ النبي -عليه الصلاة والسلام- أفطر، شرب لبناً من قدح، وهم ينظرون إليه -عليه الصلاة والسلام-، وكل خير في اتباعه، جاء في الحديث: "نهى عن صوم يوم عرفة بعرفة" لكن الحديث فيه مقال، ولذا يرى بعضهم كابن عمر وغيره استحباب الصيام، وصامه كثير من السلف، ويرى آخرون تحريم الصيام لحديث: "نهى عن صوم يوم عرفة في عرفة" وعلى كل حال التحريم مبني على ثبوت الخبر، والخبر فيه ضعف، وإذا سئلنا عن الأكمل والأفضل، لا شك أن الفطر أكمل وأفضل؛ لأنه فعل النبي -عليه الصلاة والسلام-.
ولا يستحب لمن بعرفة أن يصومه، ويستحب صيام أيام البيض، وهي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر من كل شهر، لحديث أبي ذر -رضي الله عنه-، الأمر بصيام ثلاثة أيام من كل شهر، والحث عليه أوصى به النبي -عليه الصلاة والسلام- جمع من أصحابه، حديث أبي هريرة وأبي ذر وأبي الدرداء وجمع من الصحابة أوصاهم بصيام ثلاثة أيام من كل شهر؛ لكن تخصيص البيض، وتعيين البيض، جاء في حديث أبي ذر: "أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن نصوم من الشهر ثلاثة أيام ثلاثة عشرة وأربع عشرة وخس عشرة" مخرج في السنن وصحيح ابن حبان وغيرها.
تسمى بيض لأن الليالي تبيض بنور القمر في هذه الليالي، فالحث على صيام ثلاثة أيام من كل شهر مطلق يمكن تقييده بهذه الأيام.
لكن قد يقول قائل: أنا أصوم ثلاثة أيام من كل شهر كالحث على صيام الاثنين، أبى أصوم الاثنين، كل اثنين أصومه، وأريد أن يدخل في ذلك صيام الاثنين وصيام ثلاثة أيام من كل شهر، ومن صام يوماً في سبيل الله أريد أن أدخل الجنة بكل هذا، يحصل أو ما يحصل؟ يحصل، فضل الله واسع.