قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والأساس الذي تبنى عليه الجماعة هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، ورحمهم الله أجمعين وهم أهل السنة والجماعة، فمن لم يأخذ عنهم فقد ضل وابتدع، وكل بدعة ضلالة، والضلالة وأهلها في النار].
الأساس الذي تبنى عليه الجماعة هم أصحاب رسول الله، وهم أهل السنة والجماعة، أي: أن الجماعة هم المجتمعون على الحق، وأول المجتمعين على الحق هم الصحابة في هذه الأمة، أي: ما كان عليه الصحابة رضوان الله عليهم من الاعتقادات والأعمال والأقوال هو الأساس الذي تبنى عليه الجماعة.
فإذاً: أهل السنة والجماعة هم الصحابة وهم الفرقة الناجية، ومن قال إن الفرقة الناجية طائفة وأهل السنة طائفة فقد أخطأ، فأهل السنة والجماعة هم الصحابة، وهم الفرقة الناجية، وهم أهل الحق، فأهل السنة والجماعة هي الفرقة التي توصف بكل هذه الأوصاف، فتوصف بأنها الجماعة، وتوصف بأنها الفرقة الناجية، وتوصف بأنها أهل السنة والجماعة، ويدخل فيهم دخولاً أولياً الصحابة والتابعون ومن بعدهم.
(والأساس الذي تبنى عليه الجماعة هم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورحمهم الله أجمعين، وهم أهل السنة والجماعة، فمن لم يأخذ عنهم فقد ضل وابتدع)، بل قد يقال إنه يكفر؛ لأن الذي نقل إلينا الشريعة هم الصحابة والتابعون، فقد نقلوا إلينا القرآن ونقلوا إلينا السنة، فمن زعم أنه لا يؤخذ عن الصحابة فقد كفر، فليس له طريق إلا طريق الصحابة؛ لأنهم نقلة الشريعة، ونقلة الدين، ولهذا فإن من طعن فيهم فقد طعن في الدين.
بعض الفرق الضالة كالرافضة يطعنون في الصحابة ويكفرونهم ويفسقونهم، وهذا كفر وضلال؛ لأن الطعن في الصحابة طعن في الدين الذي حملوه، فالذي يقول إن الصحابة كفروا وارتدوا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم فقد طعن في الدين الذي حملوه، ولهذا فإن من كفر الصحابة وفسقهم فهو كافر؛ لأنه مكذب لله، فقد زكاهم وعدلهم ووعدهم بالجنة، ومن كذب الله كفر، وإذا كانوا كفاراً فكيف يوثق في دين حمله كفار وفساق؟! فالطعن في الصحابة زندقة وكفر وضلال.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لا عذر لأحد في ضلالة ركبها حسبها هدى، ولا في هدى تركه حسبه ضلالة، فقد بُينت الأمور وثبتت الحجة وانقطع العذر؛ وذلك أن السنة والجماعة قد أحكما أمر الدين كله، وتبين للناس، فعلى الناس الاتباع].
هذا القول وهذا الأثر عن عمر رضي الله عنه وقد ذكر المحقق أن الذي أخرجه ابن بطة في الإبانة الكبرى من طريق الأوزاعي وأن إسناده منقطع، ولكن له شواهد عن السلف وعن عمر بن عبد العزيز رحمه الله أنه قال: لا عذر لأحد بعد السنة في ضلالة ركبها ويحسب أنه هدى، وأيضاً معناه صحيح.
فهذا القول عن عمر رضي الله عنه حتى ولو لم يصح سنده فمعناه صحيح دلت عليه النصوص، يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (لا عذر لأحد في ضلالة ركبها حسبها هدى)، أي: أنه لا يعذر الإنسان في الضلالة التي يرتكبها يظن أنها من الهدى، ولا في الهدى الذي يتركه يحسب أنه ضلالة؛ لأنه من الواجب على الإنسان أن يسأل عن دينه، وأن يسأل عما أشكل عليه ولاسيما بعد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، وقد قال الله تعالى: {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} [الأنعام:19]، فمن بلغه القرآن فقد قامت الحجة، وقال تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء:15].
وقد بعث الرسول.
وكما أن الإنسان يسأل عن دنياه إذا أراد أن يشتري سلعة فيسأل أهل الخبرة، فعليه أن يسأل عن دينه وعما أشكل عليه، فلا عذر له؛ في العمل بما يخالف شرع الله وهو يستطيع أن يسأل أهل العلم، قال تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل:43]، ولهذا قال عمر رضي الله عنه: (فقد بُينت الأمور وثبتت الحجة وانقطع العذر) أي: ببعثة الرسول صلى الله عليه وسلم وبنزول القرآن، إنما يعذر الذي لم يبلغه القرآن ومن كان قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، فأهل الفترات هم الذين يعذرون، ولهم أحكام خاصة جاءت بها النصوص، وهي أنهم يمتحنون يوم القيامة، وكذلك من لم يبلغه شيء من القرآن.
أما من يعيش بين المسلمين ويسمع القرآن والرسول عليه الصلاة والسلام فقد بُينت الأمور وثبتت الحجة والقرآن يتلى والسنة موجودة بين الناس، فلا عذر في هذه الحالة، قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: (والذي نفسي بيده! لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار)، ولهذا قال: (وذلك أن السنة والجماعة قد أحكما أمر الدين كله وتبين للناس فعلى الناس الاتباع).
السنة والجماعة قد أحكما أمر الدين كله ولم يبق شيء إلا وقد بُين في السنة وفي الكتاب العزيز واجتمع المسلمون من الصحابة والتابعين على العمل بهذا الدين، فمن ترك السنة والجماعة بعد وضوح ذلك فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه.