قال المصنف رحمه الله تعالى: [عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أعذر الله إلى امرئ أخر أجله حتى بلغه ستين سنة)].
قال صلى الله عليه وسلم في حديث آخر: (أعمار أمتي ما بين الستين والسبعين، وأقلهم من يجوز ذلك)، وفي هذا الحديث يقول صلى الله عليه وسلم: (أعذر الله إلى رجل أخره إلى ستين سنة)، والله جل وعلا ذكر في سورة فاطر صراخ أهل النار، وقال عنهم: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ} [فاطر:37] واختلف العلماء في المراد بالنذير، فقال بعضهم: هو النبي صلى الله عليه وسلم، وقال بعضهم -على قراءة (والنذر) -: إنها الآفات، وقال آخرون: هو الشيب، وعليه أكثر المفسرين.
وإذا قلنا: إنه الشيب على هذا القول من أقوال المفسرين، نسوق ههنا قوله صلى الله عليه وسلم: (أعذر الله إلى امرئ -أو إلى رجل- بلغه ستين سنة).
فالستون عاماً تأتي بعد الأربعين قطعاً، وقال مالك رحمه الله: أدركت طلبة العلم في بلدنا يطلبون العلم والدنيا ويخالطون الناس، حتى إذا بلغوا الأربعين تركوا الدنيا ومخالطة الناس، وتفرغوا ليوم القيامة، أي: جعلوا أعمالهم منصبة فيما يعينهم على أهوال يوم القيامة.
ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم: (أعذر الله إلى امرئ) أي: لا حجة لذلك المرء عند الله، والستون هي عمر نبي الله جل وعلا داود، كما جاء في الخبر الصحيح: (إن الله جل وعلا لما خلق أبانا آدم أخرج من ظهره ذريته وكل نسمة كائنة منه إلى يوم القيامة، فوجد بين عيني أحدهم وبيصاً من نور، قال: أي رب من هذا؟ قال: هذا رجل من ذريتك يكون في آخر الزمان يقال له: داود، فقال آدم: أي رب كم جعلت عمره؟ قال: ستون عاماً، فقال آدم: يا رب هبه من عمري، فوهبه من عمره أربعين عاماً).
والغاية من الحديث أن الستين فيها يظهر الشيب، وهي منحنى من منحنيات العمر ومنعطفاته العظيمة، وإن امرءاً بلغ الستين ولم يفقه أنه سيلقى الله ويخلص في العمل ويجعل أكثر وقته في الطاعة، لا حجة له أبداً عند الله تبارك وتعالى، ولا يعني ذلك أبداً أن من دون الستين لهم الحجة على الله، فليس لأحد حجة على الله بعد إرسال الرسل، وإنزال الكتب؛ لكن المقصود من الحديث حث من بلغ هذا السن من الناس أن يتقي الله جل وعلا فيما بقي من عمره، هذا المقصود والمراد من هذا الحديث النبوي.