وهذه الروح والنفس البشرية التي خلقها الله جل وعلا يودعها ملك في الجنين وهو وفي بطن أمه، فتتصل الروح بالجسد، فتدب ما يسمى بالحياة، فتصبح هذه الروح محركة للجسد، مادامت حية فهو قابل للتحرك، ثم هذا الاتصال يجعله ينتقل من كونه جنيناً إلى أن يولد، ثم يحيا ما كتب الله له أن يحيا، ثم يبعث الله ملك الموت ومعه ملائكة آخرون ومهمتهم قبض تلك الروح التي أودعها السابق من الملائكة ونحن أجنه في بطون أمهاتنا، فيأتي هذا الذي بعث وهو ملك الموت ومن معه لينزع الروح، فإذا نزعت الروح وانتهت -سواء نزعت نزعاً رفيقاً كحال المؤمن، أو نزعاً غليظاً كحال الكافر -سمي هذا الوضع موتاً، فإذا خرجت الروح تبعها البصر، فإذا تبعها البصر سن لمن كان عند الميت أن يغمض عيني الميت، قال عليه الصلاة السلام: (إن الروح إذا صعدت تبعها البصر).
وتشهد هذه الساعة الملائكة فيؤمنون على ما يقوله من كان حول الميت، ولهذا قال عليه الصلاة السلام في حديث عثمان بن مظعون: (فإن الملائكة تؤمن على ما تقولون)، يعني: قولوا خيراً، فهذه الساعة هي التي يقصدها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه).
وفي رواية صحيحة أن عائشة فهمت أن هذا معناه أن الإنسان يكره الموت، فقالت: (إنا لنكره الموت)، فليس كراهية الموت تعني أننا نكره لقاء الله، فلا يوجد أحد يحب أن يموت، مع أننا مؤمنون أننا سنموت لا محالة، لكن لم يتعبدنا الله بأن نبحث عن الموت، وإنما تعبدنا الله بأن نسأل الله العافية، وطول العمر، وحسن العمل.
فقالت وهي صريحة واضحة، وهذا يبين لك كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يربي أصحابه، وكيف يربي أهل بيته، فقد كان يربيهم على أن يسألوا بوضوح عما أشكل عليهم، فهي لم تخش هيبة النبي صلى الله عليه وسلم، لأن هذا مجلس علم، فقالت بوضوح: (إنا لنكره الموت، قال: ليس كذلك).
وهذا نفي لفهم عائشة، والنبي لم ينفِ فهم عائشة ولم يعط بديلاً، وإنما أعطى بديلاً لفهم الحق، ثم بين أن الميت تبشره الملائكة برضوان الله، هذا إذا كان مؤمناً، فإذا بشرته برضوان الله جل وعلا إذا كان مؤمناً فإنه ينسى الذي كان يخشاه ويخاف منه من قبل في الدنيا، وسيفرح بما هو مقبل عليه، فهذا إذا بشر بما سيلقاه، فيحب أن يلقى الله؛ لأن نعيم الدنيا لا يقاس بنعيم الله، فيحب لقاء الله، بمعنى: أن الله جل وعلا سيثيبه.
وأما الكافر أو الفاسق فإذا وصل إلى هذا الساعة فستأتيه الملائكة تخبره بما هو مقبل عليه من سخط الله وعذابه وعقابه، فيكره أن يلقى هذا فيكره الله لقاءه، بمعنى أن الله لا يعفو عنه، ولا يغفر له.
هذا هو المعنى العام للحديث.