قال المصنف رحمه الله تعالى: [عن جندب رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من سمع سمع الله به، ومن يرائي يرائي الله به)].
هذا حديث والله لا يدري المرء كيف يشرحه، لكن نسأل الله أولاً لنا ولكم السلامة، وألا يكلنا الله جل وعلا إلى ما علمه الناس منا، وأن يكلنا تبارك وتعالى إلى فضله وسخائه ورحمته وستره ومغفرته وعفوه، إن ربي سميع الدعاء.
أما شرح الحديث فنبدأ بالألفاظ: الرياء والسمعة بمعنى واحد من حيث قصد العمل، فكل عمل قصد به جلب الحمد من الناس دخل في الحديث.
لكن الرياء يقال لما كان بالبصر، أي: في الشيء الذي يحب أن يراه الناس فيه.
والسمعة تقال لجارحة السمع، أي: في الشيء الذي تفعله وتحب أن يسمع الناس أنك فعلته.
والمقصود من الاثنين واحد وهو: جلب مدح الناس دون النظر -إما بالجزئية أو بالكلية- إلى بغية وجه الرب تبارك وتعالى.
يقول الله جل وعلا: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ} [هود:15]، فهذا وعد من الله أن من أراد الدنيا أن يوفي الله جل وعلا له ما أراد وألا يبخس، فإن قال قائل: هذا الوعد الرباني لا نراه واقعاً، فبعض الناس يريد بعمله الدنيا ويقول هذا صراحة ولم يعط شيئاً.
فنقول إن الإطلاق هنا قيدته أية الإسراء، قال الله جل وعلا: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ} [الإسراء:18].
فقول الله جل وعلا: {لِمَنْ نُرِيدُ} [الإسراء:18] قيد للآية السابقة.
{مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا * وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا * كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا * انظُرْ} [الإسراء:18 - 21] أي: في الدنيا، {انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا} [الإسراء:21].