((لا هجرة، ولكن جهاد ونية)): يعني الهجرة انقطعت من مكة، أو فضل الهجرة المرتب عليها قبل الفتح انقطع، وبقي فضل الهجرة المرتب عليها بعد الفتح، ولا شك أن وقت الحاجة تعظم الأجور أكثر من الأجور المرتبة على العمل نفسه بعد ذلك، ولذا: {لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ} [(10) سورة الحديد]، فالنفقة والقتال قبل الفتح أعظم منهما بعده؛ لمسيس الحاجة إلى ذلك، وكذلك الهجرة قبل الفتح فضلها أعظم من الهجرة بعد الفتح، ويطَّرد ذلك على مرور الزمان، ففي آخر الزمان حينما يكثر الهرج وتكثر الفتن العبادة كالهجرة، في صحيح مسلم في كتاب الفتن: ((العبادة في الهرج كهجرة إليَّ))، وللعامل عند فساد الزمان للعامل بالسنة أجر خمسين من الصحابة؛ كما جاء في المسند وسنن أبي داود بإسناد حسن، أجر خمسين من الصحابة.
طالب:. . . . . . . . .
من الصحابة نعم منهم.
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
مقصدنا هذا مفاده، يعني ابن القيم أشار إليه في نونيته:
هذا وللمتمسكين بسنة الـ ... مختار عند فساد ذي الأزمان
إلى آخره.
المقصود أنه موجود مخرج في السنن -سنن أبي داود ومسند الإمام أحمد وغيرهما- بسند حسن، ((أجر خمسين من الصحابة)) قالوا: منهم يا رسول الله، قال: ((بل منكم))، ولا يتطاول أحد على مثل هذا الفضل ويزعم أنه يأتي في آخر الزمان من هو أفضل من الصحابة، لا؛ لأن هذا العمل في مقابل العمل، وأما شرف الصحبة ونصرة النبي -عليه الصلاة والسلام- هذا لا يمكن أن يدركه أحد، كائناً من كان، يعني أقل الصحابة ممن حصل له شرف هذا الوصف أفضل من عمر بن عبد العزيز، يعني لا يتطاول أحد يتنقص الصحابة بأنه يأتي آخر الزمان من هو أفضل منهم، لا، لكن العمل أفضل من عمل خمسين من الصحابة في مقابل أجر العمل نفسه، لا في أجر العامل، وميزان العامل في الشرع ..
بقي مما يدرك بعد ذلك: الجهاد والنية الصالحة؛ ((ولكن جهاد ونية))، الجهاد أجره ثابت وفضله عظيم، وذروة سنام الإسلام، ومصدر عز الأمة، وما ضربت الذلة على هذه الأمة إلا بتركهم الجهاد، ولن تعود العزة لها إلا بإقامة علم الجهاد.