"لم يطف النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا أصحابه بين الصفا والمروة إلا طوافا واحداً". فالقارن كحاله -عليه الصلاة والسلام- لم يسعوا بين الصفا والمروة إلا سعياً واحداً، خلافاً للحنفية الذين يرون أن القارن عليه سعيان، سعي للحج وسعي للعمرة، وأنه لا فرق بين المتمتع والقارن إلا في الإحلال بينهما.
وأما بالنسبة للمتمتع الذي يؤدي العمرة كاملة، ثم يتحلل منها، ثم يحرم بالحج، فهذا عليه طواف وسعي للعمرة، وطواف وسعي للحج، وإن كان شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- يأخذ بعموم هذا الحديث، ويقول: إن المتمتع يكفيه سعي واحد؛ أخذاً بعموم هذا الحديث.
"لم يطف النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا أصحابه، قوله: ولا أصحابه: يشمل القارن والمتمتع والمفرد، فشيخ الإسلام يرى أن المتمتع يكفيه سعي واحد، لكن القول المحقق أن كل نسك منفصل عن الآخر انفصال تام، يحل بينهما الحل كل الحل، ولذا إذا أدى العمرة الكاملة -بطوافها وسعيها وحلقها أو تقصيرها- ثم لبس ثيابه، وأتى امرأته -إن كانت معه- وقد حلت الحل كله، وأراد أن يرجع إلى بلده، وكان في نيته لما قدم أن يتمتع، ما الذي يلزمه بالحج؟
أنا أقول: الانفصال تام بالنسبة للمتمتع، وعلى هذا يلزمه سعي للعمرة، وسعي للحج، وهذا هو القول المرجح.
قال: وحدثنا عبد بن حميد، أخبرنا محمد بن بكر قال: أخبرنا ابن جريج بهذا الإسناد مثله، وقال: "إلا طوافاً واحداً طوافه الأول": والمراد بالطواف هنا: السعي؛ {فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [(158) سورة البقرة].