قال ابن المنذر وغيره: أجمع العلماء على هذه المواقيت، وهذه المواقيت لأهلها ولكل من مر بها من غير أهلها، وأجمع من يعتد به من السلف والخلف من الصحابة ومن بعدهم أنه يجوز الإحرام من الميقات ومما فوقه.
فلو فرضنا أنك خارج من مصر فميقاتك الجحفة أو رابغ، وبين رابغ وبين مكة مائتان وعشرون كيلو، وأنت إذا ركبت الطائرة فغالباً لن يقول لك سائق الطائرة: أنت فوق الميقات أو غيره، فأنت احتطت من المطار ولبست الإحرام ولبيت وأنت في المطار: لبيك حجاً أو لبيك عمرة، فبإجماع أهل العلم أن ذلك جائز، ولكن خالف داود بن علي رحمه الله وقال: لا يجوز الإحرام مما فوق الميقات، ولو أحرم قبله لم يصح إحرامه ويلزمه أن يرجع ويحرم من الميقات.
نقول: إذا أحرم قبل الميقات أو أحرم بعد الميقات فقد أجمع أهل العلم على صحة هذا الإحرام، وإنما لو أحرم بعدما جاوز الميقات فيلزمه دم أو يرجع إلى الميقات، لكن إحرامه صحيح وليس باطلاً.
يقول داود الظاهري: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحرم من ذي الحليفة ولم يحرم من المدينة، فهذا يدل على أن الميقات الذي لا يجوز لك أن تتجاوزه هو ميقات النبي صلى الله عليه وسلم الذي أحرم من عنده، والذي بينه في الأحاديث الأخرى كما قدمنا، لكن لو أنه أحرم قبله فيكون قد خالف سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وإحرامه صحيح وليس باطلاً، أما لو جاوزه وهو غير محرم ثم أحرم بعد ذلك، ففعله صحيح، ولكن طالما أنه مريد للحج والعمرة فإما أن يرجع إلى الميقات فيحرم منه ويلبي منه، أو يستمر في إحرامه ويلزمه دم.
إذاً: الإحرام من الميقات هو الأفضل، وهذا هو قول جمهور أهل العلم، ومن حجتهم أن النبي صلى الله عليه وسلم أحرم من ذي الحليفة، وصلى النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة الظهر أربعاً والعصر في ذي الحليفة ركعتين صلوات الله وسلامه عليه، فلو كان الإحرام من المدينة أفضل -وخاصة أن مسجد المدينة الصلاة فيه بألف صلاة- لأحرم النبي صلى الله عليه وسلم من المسجد ولصلى العصر هناك ثم خرج منه محرماً صلى الله عليه وسلم، ولكن كونه يحرم من ذي الحليفة فهذا دليل على أن الأفضل أن يحرم من الميقات.
أما الذي يريد أن يعتمر وهو من أهل الآفاق الذي نسميه: الآفاقي، أي: الذي أتى من المكان البعيد في الأفق، فهذا يحرم من المواقيت التي حددها النبي صلى الله عليه وسلم.