الأولى: ليس له أن يتلف من لحم المتطوع بها شيئاً؛ بل يأكل ويطعم، فإذا تعمد إتلاف شيء غرم ما أتلفه؛ لأن هذه يتقرب بها لله عز وجل، فليس له أن يتلف شيئاً منها، فإذا تعمد أن يبيع شيئاً منها غرم ما باعه، فيتصدق بثمن الذي أخذه، أو يغرم مكان ما باعه منها.
الثانية: يجوز أن يصرف القدر الذي لا بد من التصدق به ولو إلى مسكين واحد، فلو فرضنا أنه ذبح ووجد مسكيناً عنده عشرون ولداً فيعطيه ثلث الأضحية، وإن أعطى الأضحية كلها لهذا الفقير فله أن يفعل ذلك، فيعطي المساكين ولو حتى المسكين الواحد جميع الواجب الذي عليه.
الثالثة: إن أعطى الجازر من الأضحية شيئاً أجرة له ضمنه؛ لأن الأجرة لا تعطى منها ولا حتى الجلد، ولذلك في حديث علي رضي الله عنه: (أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقوم على بدنه، وأن أتصدق بلحمها وجلودها وأجلتها وألا أعطي الجزار منها، قال: نحن نعطيه من عندنا).
إذاً: إذا كان على وجه الإجارة فلا يجوز، لكن إذا أعطاه على وجه الهدية وقد دفع له الأجرة جاز، ولو أعطى له الجلد هدية منها فجائز، وكذا لو أعطى له صدقة لفقره جاز، لكن أن يعطي الجزار منها على وجه الإجارة مقابل ما ذبح فهذا غير جائز.
الرابعة: إن أطعم غنياً منها على سبيل الهدية جاز، وإن أتلف أجنبي منها شيئاً ضمنه، أي: يدفع قيمتها، ولو جاء إنسان أجنبي وأتلف جزءاً منها بأن رماه ونحو ذلك فأتلفه فعليه أن يضمن هذا الجزء الذي أتلفه.
الخامسة: يجوز أن يدخر من لحم الأضحية، وقد كان ادخارها فوق ثلاثة أيام منهياً عنه؛ لما قلناه سابقاً: أن جماعة من الأعراب نزلوا عند النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة وكانوا فقراء، فلو أن أهل المدينة ادخروا من لحوم الأضحية فالأعراب لن يحصلوا شيئاً، فنهاهم في هذه السنة عن الادخار، ثم أباح لهم بعد ذلك صلوات الله وسلامه عليه.
وإن أراد الادخار فالمستحب أن يكون من نصيب الأكل لا من نصيب الصدقة والهدية.
أما بالنسبة للأضحية فالراجح: أنه إذا نذر أضحية فله أن يأكل منها، سواء كانت أضحية أو نذراً، فإن ضحى بها فيجوز له أن يصرفها مصرف الأضحية، لكنه أوجب على نفسه ذلك بكلمة النذر، فالأصح إذاً أنه يأكل منها ويطعم غيره؛ لأن النذر محمول على المعهود، والمعهود من الأضحية الشرعية ذبحها والأكل منها، والنذر لا يغير من صفة المنذور، إلا إذا كان نذره أن هذا لله وليس أضحية، فمثلاً: إذا قال: إن شفى الله مريضي فلله علي أن أذبح الشاة الفلانية، فذبح هذه الشاة، فعليه أن يتصدق بجميعها، فإن قال: أذبحها أضحية، فمصرفها مصرف الأضحية.
السادسة: الهدي الواجب له أن يأكل منه، وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أكلوا من هدي التمتع الذي ذبحوه، لكن ليس له أن يأكل من الهدي المنذور، ولا من هدي الكفارة، ولا من جزاء الصيد.
فمثلاً: إذا كان لبس الثياب في أثناء الإحرام فعليه دم في ذلك، فإذا ذبح فليس له أن يأكل منه، وكذلك إذا صاد صيداً في الحرم، كأن صاد حمامة في الحرم فقتلها، فعليه أن يطعم فقراء الحرم، فيذبح لهم شاة ويطعمهم، وليس له أن يأكل من ذلك.
إذاً: هدي القران ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل من الجمال التي ذبحها، وهدي التمتع أهدى النبي صلى الله عليه وسلم عن أزواجه -وكن متمتعات- البقر، وأرسل إليهن من لحمها عليه الصلاة والسلام.
ولا يجوز بيع شيء من الهدي والأضحية نذراً كان أو تطوعاً؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث: (من باع جلد أضحيته فلا أضحية له)، فالذي يبيع الجلد فلا أضحية له، حتى ولو زعم أنه سيبيع ويتصدق بالمال، ولكن لك أن تنتفع بهذا الجلد أو أن تهديه أو تتصدق به، ومن تصدقت بالجلد عليه فله أن ينتفع به بأي شيء، حتى ولو بالبيع، إذاً: فلو تصدقت به لمسجد من المساجد يجمع جلود الأضاحي فلك ذلك، ولك أن تعطيه الإسعاف ليأخذوه ويبيعوه ثم يصنعوا بثمنه للفقراء في المستشفيات أشياء يشفون بها، فهذا يجوز، إذاً: فإذا تصدقت به فإنه يكفي، والذي أعطيته صدقة له أن يتصرف به بما يشاء ولو ببيعه.
السابعة: يستحب أن يتصدق بجلال الهدي -أو الجلال: هي الأكسية التي تبقى موجودة على الهدي-؛ لحديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ولا يكفي التصدق بالجلد والقرن، أي: لو أتى بأضحية كخروف وذبحه، وقال: علي أن أتصدق بشيء منه وسأتصدق بجلده وقرنه، فهذا لا ينفع؛ لأن الله عز وجل قال: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا} [الحج:28]، وأنت لم تطعم بهذه الصورة.
الثامنة: يجوز أن ينتفع بجلدها، فيصنع منه النعال والخفاف والفراء، ومن نذر الأضحية في عام فأخر عصى، أي: إذا نذر بقوله: لله علي أن أضحي هذا العام، وقدر، إن أخرها فيعصي بذلك ويلزمه القضاء، كمن أخر الصلاة.
موضع الأضحية هو البلد الذي أنت فيه، ولكن الراجح: أنه يجوز لو كنت في بلد ووكلت إنساناً في بلد آخر أن يضحي عنك جاز لك ذلك، كبعض الناس يكون مسافراً في بلد ما، ثم يتصل بأهله في مصر مثلاً: اذبحوا الأضحية في العيد ووزعوا على الفقراء، فهذا جائز.
والأفضل أن يضحي في داره بمشهد أهله، ويجوز نقل الأضحية بحسب الحاجة، والأفضل للإمام أن يضحي في المصلى، والإمام المراد به إمام المسلمين الذي هو الحاكم أو أمير الناس، فإذا صلى بهم فيستحب له أنه يضحي في مكان الصلاة.
ويجوز للوصي أن يشتري لليتيم أضحية، أي: لو كان هناك يتيم وأنت تربيه وهو غني وله مال فيجوز أن تشتري له أضحية من ماله، ففيها جبر لقلبه وتطييب لخاطره.
ويجوز إطعام الجيران من أهل الذمة من أضحية التطوع دون الواجب، فصدقة التطوع يجوز أن تعطي منها ولو للفقراء من أهل الذمة من اليهود أو النصارى من الجيران، وهذا في التطوع، أما الصدقة الواجبة كالزكاة والأضحية الواجبة والمنذورة فلا يجوز أن تعطى إلا للمسلمين، وجاء في حديث عند الترمذي عن مجاهد أن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه: ذبحت له شاة في أهله، فلما جاء قال: أهديتم لجارنا اليهودي؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه).
إذاً: ففهم من حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه يجوز أن يهدى لأهل الذمة، لكن أهل العلم على أن الصدقة الواجبة كالزكاة أو النذر الواجب لا يجوز أن يعطى منها إلا للمسلمين، والله أعلم.
نكتفي بهذا القدر، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.