ويحصل التحلل الأول برمي جمرة العقبة، فإذا رمى جمرة العقبة تحلل التحلل الأول، والأفضل أن يضيف إليه الحلق أو الطواف، فيكون لبس الثياب وقد عمل عملين، وهو قول الجمهور، بمعنى: أنه يبدأ فيرمي جمرة العقبة ثم يحلق شعره أو يطوف بالبيت، يقول الإمام النووي: يحصل التحلل الأول باثنين من ثلاثة، فأي اثنين منهما أتى بهما حصل التحلل الأول، سواء كان رمياً وحلقاً، أو رمياً وطوافاً، أو طوافاً وحلقاً.
يريد أنها ثلاثة أفعال بدون النحر، فأي فعلين تتحلل بهما التحلل الأول.
وإن كانت أكثر الأحاديث التي وردت ذكر فيها الرمي، فقد روى أبو داود عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا رمى أحدكم جمرة العقبة فقد حل له كل شيء إلا النساء)، فبرمي جمرة العقبة يتحلل التحلل الأول.
وفي حديث ابن عباس الذي رواه أحمد قال صلى الله عليه وسلم: (إذا رميتم الجمرة فقد حل لكم كل شيء إلا النساء.
فقال رجل: والطيب؟ فقال ابن عباس: أما أنا فقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يضمخ رأسه بالمسك أفطيب ذاك أم لا؟).
وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: (طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي هاتين حين أحرم ولحله حين أحل قبل أن يطوف وبسطت يديها) رضي الله عنها.
ورواه أحمد والنسائي بلفظ: (طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه حين أحرم ولحله بعدما رمى جمرة العقبة قبل أن يطوف بالبيت)، فهو رمى جمرة العقبة ثم إن عائشة رضي الله عنها طيبته، وكان قد رمى الجمرة وحلق شعره ونحر وحلق ثم طاف بالبيت عليه الصلاة والسلام.
وفي الحديث الذي رواه مالك في الموطأ عن نافع وعبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خطب الناس بعرفة وعلمهم أمر الحج وقال لهم فيما قال: إذا جئتم منى فمن رمى الجمرة فقد حل له ما حرم على الحاج إلا النساء والطيب، ولا يمس أحد نساءً ولا طيباً حتى يطوف بالبيت.
وأيضاً ذكر عمر أنه إذا رمى الجمرة فقد حل، وإن كان مذهب عمر رضي الله عنه أنه لا يضع الطيب على بدنه أو ثوبه حتى يطوف بالبيت، لكن روت عائشة ما يخالف ذلك، والحجة في المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، والمرفوع: أن عائشة طيبت النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يطوف بالبيت، فدل على أن الصواب هو أنه إذا رمى جمرة العقبة فله بعد ذلك أن يتطيب.
وبالإسناد نفسه أن عمر رضي الله عنه قال: من رمى الجمرة ثم حلق أو قصر ونحر هدياً إن كان معه فقد حل له ما عليه حرم إلا النساء والطيب حتى يطوف بالبيت.
فكأن مذهب عمر رضي الله عنه أن الطيب من لوازم الجماع، فجعل الطيب مع الجماع، فلا يجوز له أن يضع الطيب لأنه يدعوه إلى الجماع، وهذا رأيه رضي الله تبارك وتعالى عنه يخالفه ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، فالصواب أنه يجوز له التطيب لحديث عائشة السابق.
ولو لم يرم جمرة العقبة حتى خرجت أيام التشريق فقد فات الرمي ولزمه بفواته الدم، أي: إذا فاته الرمي لزمه بفواته الدم، ويتوقف تحلله على الإتيان ببدل الرمي احتياطاً، أما إذا لم يرم ولم تخرج أيام التشريق فلا يجعل دخول وقت الرمي كالرمي في حصول التحلل، أي: أنه إذا دخل وقت الرمي فلا يتحلل حتى يرمي، أما إذا لم يرم فلا؛ لأن نص الحديث دل على ذلك.
ويحل بالتحلل الأول في الحج: اللبس، والقلم، وستر الرأس، والحلق، ولو لم يطف.
أي: إذا رمى جمرة العقبة، وحلق شعره أو نحر هديه أو وكل في النحر فيجوز له أن يلبس ثيابه، ويستر رأسه، ويحلق شعره، والحلق منسك من المناسك حتى ولو لم يطف بالبيت، ولا يحل الجماع إلا بالتحلل الثاني.