والحلق والتقصير نسك في الحج والعمرة، وهناك خلاف يسير هل هو نسك أم هو تحلل من الإحرام؟ فذكر النووي أنه لم يقل أحد من العلماء أنه تحلل من الإحرام إلا الشافعي، فهذا نقل النووي رحمه الله، والظاهر أن قول الإمام أحمد أيضاً أنه تحلل من الإحرام.
والصواب في هذه المسألة: أن الحلق نسك من المناسك وليس مجرد تحلل من الإحرام.
وبناءً على ذلك: فلو أنه قدم الحلق قبل رمي الجمرة فلا شيء عليه، إلا أن نقول: إنه تحلل من الإحرام وهنا حلق قبل رمي الجمرة، والتحلل لا يكون إلا برمي الجمرة، فيكون عليه دم؛ لأنه تحلل من الإحرام قبل الأمر الشرعي وهو رمي الجمرة، لكن الصواب في ذلك أن الحلق نسك من المناسك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم دعا للمحلقين.
ولو كان الحلق مجرد تحلل من الإحرام وليس نسكاً لما دعا النبي صلى الله عليه وسلم لمن حلق، ولما ذكره الله عز وجل في كتابه: {مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ} [الفتح:27].
وقد جاء في الحديث: (من لم يكن منكم أهدى فليطف بالبيت وبالصفا والمروة، وليقصر، وليحلل، ثم ليهل بالحج)، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم في العمرة عندما كانوا متمتعين أن يطوفوا بالبيت وأن يسعوا بين الصفا والمروة، قال: (وليقصر وليحلق)، فأمر بالتقصير.
وفي الصحيحين عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أحلوا من إحرامكم بطواف بالبيت وبين الصفا والمروة وقصروا).
وأمر النبي صلى الله عليه وسلم يدل على الوجوب، فيجب تنفيذ ما أمر به صلى الله عليه وسلم.
وكذلك الآية: {مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ} [الفتح:27]، والتحليق لولا أنه من المناسك لقال ربنا سبحانه وتعالى لهم أن اصطادوا، أو البسوا ثيابكم، وإنما قال: {مُحَلِّقِينَ} [الفتح:27]، وهذا يدل أنه من المناسك أن يكون محلقاً، أو يكون مقصراً، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم ترحم على المحلقين ثلاثاً، فدل على أن هذا الفعل عبادة، ولولا أنه عبادة لما دعا النبي صلى الله عليه وسلم لهم، ولأنه أمر أصحابه ففعلوه في جميع حججهم وعمرهم ولم يتركوه، فلو لم يكن من ضمن المناسك لكان على الأقل قد تركه بعضهم.