إذا فرغ الحاج من الرمي والذبح فليحلق رأسه أو يقصر، والحلق والتقصير ثابتان بالكتاب والسنة، فربنا سبحانه وتعالى يقول: {مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ} [الفتح:27].
وفي الصحيحين عن ابن عمر: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا للمحلقين فقال: اللهم ارحم المحلقين.
قالوا: والمقصرين يا رسول الله؟ قال: اللهم ارحم المحلقين.
قالوا: والمقصرين يا رسول الله؟ قال: والمقصرين)، ذكرها في الثالثة أو في الرابعة.
والأفضل أن يحلق جميع الرأس، وسنة النبي صلى الله عليه وسلم أن يحلق جميع شعره، وإذا قصر كان أيضاً يقصر من جميع شعره عليه الصلاة والسلام، فنحن نفعل كما فعل صلى الله عليه وسلم.
وإن كان العلماء اختلفوا فقالوا: إن حَلْق جميع الشعر هو السنة، وأما الذي يجزئ في الفرض فقد اختلفوا فيه على أقوال: فـ الشافعي عنده أن أقل ما يجزئه في الحلق أن يحلق ثلاث شعرات، وأخذ هذا من الدلالة اللغوية في قوله تعالى: {مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ} [الفتح:27]، أي: شعر رءوسكم، والشعر جمع والمفرد منه شعرة واحدة، وأقل الجمع ثلاث شعرات، فإذا حلق ثلاث شعرات وسمي حلقاً فيكون هذا هو الواجب، وما كان أكثر من ذلك فيكون سنة، هذا عند الشافعي.
أما عند مالك، وأحمد: فالواجب حلق أكثر الرأس.
وأما عند أبي حنيفة فالواجب حلق ربع الرأس.
وعند أبي يوسف صاحب أبي حنيفة أن الواجب حلق نصف الرأس.
ولكن النبي صلى الله عليه وسلم حلق شعره وقال: (لتأخذوا عني مناسككم).
وجوز ربنا سبحانه وتعالى لهم التقصير، فلما حلق جميع رأسه عليه الصلاة والسلام ولم يحلق البعض تبين أن المنسك أن يحلق الشعر كله، أو أن يقصر من رأسه كله إذا كان مقصراً.
إذاً: الأفضل أن يحلق جميع الرأس إن أراد الحلق، أو يقصر من جميعه إن أراد التقصير.
وقد جاء في صحيح مسلم عن أنس رضي الله عنه قال: (لما رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمرة، ونحر نسكه، وحلق ناول الحالق شقه الأيمن فحلق)، أي: حلق الشق الأيمن كله، قال: (ثم دعا أبا طلحة الأنصاري رضي الله عنه فأعطاه إياه، ثم ناوله الشق الأيسر، فقال: احلق، فحلقه فأعطاه أبا طلحة وقال: اقسمه بين الناس)، والصحابة أخذوا ذلك الشعر تبركاً بشعر النبي صلوات الله وسلامه عليه، وهو صلى الله عليه وسلم أمر بذلك، فهذا هو فعله وهو أنه حلق شعره كله صلى الله عليه وسلم.