وللوقوف بعرفة سنن وآداب: أحدها: أن يدخل أرض عرفات بعد صلاتي الظهر والعصر إن تيسر ذلك، وهنا لن يستطيع كل إنسان أن يأتي بجميع السنن مع الزحام الشديد، فعلى ذلك كل إنسان بحسب ما يتيسر له.
الثاني: سماع الخطبة أو الخطبتين، والجمع بين الصلاتين.
الثالث: تعجيل الوقوف عقب الصلاتين، فإذا أنهى صلاة الظهر والعصر فليعجل الوقوف، ويمكن للإنسان أن يقدر على ذلك، فيمكث في المسجد هنالك ويدعو الله عز وجل فترة طويلة إلى أن تنكسر حدة الشمس ثم يخرج ويقف في الخارج، حتى ولو مكث في المسجد الذي هو في الجزء من عرفة إلى غروب الشمس فلا شيء عليه، المهم أن يستغل وقته في الدعاء وذكر الله؛ لأن هذا أعظم أيام السنة.
الرابع: من السنة أن يكون مفطراً، سواء أطاق الصوم أم لا، وسواء ضعف به أم لا؛ لأن الفطر أعون له على الدعاء، وهذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم في هذا اليوم، إلا أن يكون عليه الهدي ولم يجده فصام ثلاثة أيام ويوم عرفة من ضمن الثلاثة الأيام، والأفضل أن يقدم الصيام قبل ذلك.
وفي حديث أم الفضل رضي الله عنها أنهم شكوا في صوم النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة، فبعثت إليه بقدح من لبن فشربه عليه الصلاة والسلام، وهنا أرادت أن تعرف هل هو صائم صلى الله عليه وسلم في يوم عرفة أم ل، فأرسلت إليه بقدح من لبن، فشرب أمام الناس ليبين أنه ليس صائماً.
الخامس: أن يكون متطهراً؛ لأنه أكمل، فلو وقف وهو محدث أو جنب أو حائض أو نفساء أو عليه نجاسة أو انكشفت عورته صح وقوفه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم لـ عائشة رضي الله عنها حين حاضت: (ما لك أنفست؟ قالت: نعم، قال: إن هذا أمر كتبه الله على بنات آدم، فاقضي ما يقضي الحاج، غير ألا تطوفي بالبيت).
إذاً: في الوقوف الإنسان سيذكر الله ويقرأ القرآن، والأفضل أن يكون على وضوء، ولكن لا يتهيأ الوضوء لكل إنسان، وأحياناً يصعب أن يتوضأ، وأن يمسك نفسه، والشريعة قد رخصت للإنسان في هذا اليوم، فيجمع الظهر والعصر؛ لأنه يصعب عليه أن يتوضأ للظهر ومن ثم ينتظر حتى العصر ويتوضأ مرة أخرى، فشرع له أن يجمع بين الصلوات في سائر هذا اليوم، ولو أنه كان متوضئاً في هذا الوقت ليذكر الله عز وجل على أكمل أحواله فهذا حسن، ولو لم يقدر فلا شيء عليه.
ولا تشترط الطهارة في شيء من أعمال الحج والعمرة إلا في الطواف وركعتي الطواف فقط.
السادس من السنن: أن يقف مستقبل الكعبة، فأفضل الهيئات أنك إذا أردت الدعاء تتوجه إلى الكعبة، وسواء توجهت إليها أو إلى غيرها فلا شيء عليك فالدعاء صحيح، ولكن أفضل الهيئات وأكملها ما كان في الصلاة.
السابع: أن يقف حاضر القلب فارغاً من الأمور الشاغلة عن الدعاء.
الثامن: إن كان يشق عليه الوقوف، أو كان يضعف به عن الدعاء، أو كان ممن يقتدى به ويحتاج الناس إلى ظهوره ليستفتى ويقتدى به فليفعل ما تيسر له، فقد ثبت في الصحيحين: (أن النبي صلى الله عليه وسلم وقف راكباً)، فسواء وقف على قدميه، أو ركب على ناقة، أو قعد في الباص أو في السيارة، أو جلس في المسجد، أو جلس على الأرض، كل هذا جائز، فإذا كان بعض وقته واقفاً يدعو الله كان أحسن.
التاسع: أن يحرص على الوقوف في موقف رسول الله صلى الله عليه وسلم بحسب الإمكان، وهو عند الصخرات في أسفل جبل الرحمة بحيث لا يؤذي ولا يتأذى.
العاشر: أن يكثر من الدعاء والتهليل والتلبية والاستغفار والتضرع، وقراءة القرآن، فهذه وظيفة هذا اليوم، ولا يقصر في ذلك، وهو لب الحج ومطلوبه.
يوم عرفة قال لنا النبي صلى الله عليه وسلم: (الحج عرفة)، ولذلك يحرص المؤمن على أن يكون هذا اليوم كله خاصاً لذكر الله سبحانه وتعالى، فيذكر الله عز وجل، ويحرص على أن ينام جيداً في الليلة السابقة، وهذا شيء يقصر فيه الكثيرون، فتجد الناس في ليلة عرفة ساهرين: تعال نشرب شاي تعال نتسامر تعال كذا، غداً عرفة ماذا سنعمل غداً؟! فيضيعوا الليل، ومهما نصحت الناس في هذا اليوم تجد أن الكثير يقصر فيه، فيكون صاحياً إلى أن يأتي يوم عرفة ويسمع الخطبة ثم ينام إلى غروب الشمس، فيضيع على نفسه شيئاً عظيماً في هذا اليوم، الذي هو يوم الدعاء؛ ولذلك احرص على أن تأخذ قسطاً من النوم والراحة ليلة عرفة حتى تنشغل بالدعاء يوم عرفة، فتدعو وأنت مستيقظ ومنتبه، وإذا دعوت ربك وأنت نائم فبدلاً من أن تدعو لنفسك تدعو عليها، فهنا تنتبه لهذا اليوم، ولا تشغل غيرك، فلا تشغل الناس في هذا اليوم.
وبعض الناس يحب أن يتعرف على الآخرين، ويستمر في الكلام ويحكي معهم في يوم عرفة، فيضيع هذا اليوم في ذلك، وإلى قبل الغروب بقليل يقول: تعال ندعو! فلابد أن تحرص على هذا اليوم من وقت الزوال إلى غروب الشمس، فتحرص فيه على الإكثار من ذكر الله سبحانه ما استطعت إلى ذلك سبيلاً.
لكن هل معناه: أنه يحرم أن تنام قليلاً مثلاً في اليوم نصف ساعة أو ساعة؟ نقول: لا يحرم، ولكن بقدر المستطاع الإنسان يستغل وقته، فهذا اليوم أعظم أيام السنة وأكثرها بركة.