جاء في صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر والعصر ثم أتى الموقف)، ووقت الوقوف: ما بين زوال الشمس يوم عرفة وطلوع الفجر الثاني من يوم النحر، فهذا هو وقت الوقوف، فمن وقف في عرفة في أي وقت من هذه الأوقات فقد تم حجه، فإذا وقف الواقف بعرفة فترة بسيطة بعد صلاة الظهر فحجه صحيح، ولكن عليه دم؛ لأنه مقصر في ذلك، ولو وقف بالليل ولم يتيسر له الوقوف بالنهار فحجه صحيح، ولا دم عليه بسبب ذلك، ولو وقف جزءاً من النهار فلما انصرف رجع مرة ثانية حتى شهد الغروب، فلا شيء عليه.
إذاً: وقت الوقوف ما بين الزوال عند الظهر إلى طلوع الفجر الثاني ليوم النحر، فمن وقف بعرفات لحظة من هذا الوقت وهو من أهل الوقوف صح وقوفه، وأدرك بذلك الحج، ومن فاته هذا الزمان فقد فاته الحج.
هذا هو وقت الوقوف، وفيه خلاف بين الجمهور وبين الإمام أحمد رحمه الله، فالإمام أحمد مذهبه أن الوقوف من فجر يوم عرفة حتى طلوع الفجر من يوم العيد، فكأن الوقت سيشمل حوالي أربعة وعشرين ساعة، فمن وقف خلال هذا الوقت فحجه صحيح، والراجح هو قول الجمهور في هذه المسألة.
إذاً: وعليه فمن كان غير معذور، وتمكن من الوقوف فذهب في يوم عرفة بعد الفجر ووقف بعرفة ثم انصرف على ذلك مع قدرته على أن يقف بعد الزوال، فهذا خالف ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم وما فعله الخلفاء الراشدون من بعد النبي صلى الله عليه وسلم.
وهذا بخلاف المعذور، فنقول: لو أن إنساناً ذهب إلى عرفة من بعد الفجر ونيته أن يمكث في عرفة إلى غروب الشمس، ثم حدث له حادث فاضطروا أن يأخذوه وينقلوه إلى المستشفى فلا شيء عليه، فهنا نفرق بين المعذور وعدم المعذور على قول الإمام أحمد رحمه الله، أما غير المعذور فلابد أن يكون وقوفه بعد الزوال بعرفة، والأفضل أن يقف من حين يفرغ من صلاتي الظهر والعصر المجموعتين إلى أن تغرب الشمس، ثم يدفع عقب الغروب إلى مزدلفة، فلو وقف بعد الزوال ثم أفاض قبل الغروب فحجه صحيح، هذا الذي وقف بعد الزوال وأفاض بعد العصر مثلاً، فإن رجع إلى عرفة بحيث تغرب عليه الشمس هنالك ومكث جزءاً من الليل هنالك ثم أفاض إلى المزدلفة فلا شيء عليه، فإن لم يرجع إلى عرفة بحيث جاء وقت غروب الشمس أو وقت الليل ولم يكن هنالك فعليه دم.
والوقوف بعرفة ركن من أركان الحج؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الحج عرفة)، وجاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال في حديث: (وقد أتى عرفة قبل ذلك ليلاً أو نهاراً) فهنا نكر صلى الله عليه وسلم في سياق الإثبات، ومعناه: أقل قدر وقف بعرفات ليلاً أو نهاراً.
وهذا احتج به الإمام أحمد رحمه الله على أنه لو وقف بعرفة نهاراً في أي وقت بالنهار فحجه صحيح، وإن كان سيلزمه دم إذا لم يقف إلى أن تغرب الشمس هناك.