فإذا فرغوا من صلاتي الظهر والعصر فالسنة أن يسيروا في الحال إلى الموقف ويعجلوا المسير، فيتوجهوا إلى الموقف في عرفة، وهذا باعتبار أنهم كانوا في نمرة، وإذا كانوا في عرفة فيقفون في المكان الذي هم فيه، إلا أن يتوجهوا إلى المكان الذي وقف فيه النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا أفضل، فمن تيسر له فعل، ومن لم يتيسر له وقف في أي موقف من عرفة، فكل عرفة موقف.
روى البخاري عن سالم بن عبد الله بن عمر قال: كتب عبد الملك إلى الحجاج: ألا يخالف ابن عمر في الحج، فجاء ابن عمر رضي الله عنه وأنا معه يوم عرفة حين زالت الشمس، فصاح عند سرادق الحجاج، فخرج وعليه ملحفة معصفرة فقال: ما لك يا أبا عبد الرحمن؟! قال: الرواح إن كنت تريد السنة، قال: هذه الساعة؟! قال: نعم، قال: فأنظرني حتى أفيض على رأسي ثم أخرج، فنزل حتى خرج الحجاج فسار بيني وبين أبي.
إذاً: هنا عبد الملك بن مروان أمر الحجاج بن يوسف أن يسمع لـ عبد الله بن عمر، ويتعلم منه سنة النبي صلى الله عليه وسلم في الحج.
يقول سالم بن عبد الله بن عمر: (فسار بيني وبين أبي) يعني: سالم يمشي مع أبيه والحجاج في الوسط بينهما، قال: فقلت -هذا سالم يقول وكان عالماً من العلماء رضي الله عنه-: إن كنت تريد السنة فاقصر الخطبة وعجل الوقوف، إذا كنت تريد سنة النبي صلى الله عليه وسلم اقصر الخطبة، وعجل الوقوف بعرفة، قال: فجعل ينظر إلى عبد الله، فلما رأى ذلك عبد الله قال: صدق، يعني: فعلاً هذه هي سنة النبي صلى الله عليه وسلم، أن تقصر الخطبة وألا تطول، وأن تعجل الوقوف ولا تشق على الناس ولا تملهم.