إذا فرغ من ركعتي الطواف قلنا: السنة أن يرجع إلى الحجر الأسود، ثم يذهب إلى باب الصفا ويخرج منه، حتى إذا دنا من الصفا قرأ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة:158] فالسنة أن يتوجه إلى الصفا بحيث يصعد عليها, ولا يتوجه إلى المسعى فيكون في نصف المسعى، وبعد ذلك يمشي من غير أن يكون ساعياً بين الصفا والمروة، بل يتوجه من المسجد الحرام إلى أن يصعد على الصفا مباشرة ويبدأ من عنده بالنسك.
فيبدأ بالصفا فيرقى عليه قدر قامة, أي: أنه يصعد على الصفا قليلاً حتى إذا رأى البيت كبر الله وهلله وحمده, فينظر ويتوجه إلى البيت وهو فوق الصفا، وهذا بحسب الاستطاعة, فالزحام أحياناً يكون شديداً فيصعب عليه أن يقف في مكان يرى البيت وخاصة مع الأبنية الموجودة، ومع السلالم التي تمنع الرؤية من جهة وتسمح بها من جهة أخرى, فعلى ذلك بحسب ما يتيسر للإنسان أن يقف ويستقبل البيت وينظر إلى الكعبة، ثم يكبر الله: الله أكبر, ويهلل الله: لا إله إلا الله, ويحمد الله: الحمد لله, ثم يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له, له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير, لا إله إلا الله وحده لا شريك له, أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده, ثم يدعو بما أحب من خير الدين والدنيا والآخرة لنفسه ولمن شاء.
واستحب العلماء أن يدعو بما دعا به ابن عمر رضي الله تبارك وتعالى عنه, فقد كان له دعاء يدعو به بعد أن ينتهي من الركعتين خلف مقام إبراهيم، وأيضاً وهو واقف على الصفا والمروة, فعن نافع عن ابن عمر أنه كان يقول على الصفا: (اللهم إنك قلت {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر:60] وإنك لا تخلف الميعاد، وإني أسألك كما هديتني إلى الإسلام ألا تنزعه مني حتى تتوفاني وأنا مسلم, اللهم اعصمنا بدينك وطواعيتك وطواعية رسولك، وجنبنا حدودك, اللهم اجعلنا نحبك ونحب ملائكتك وأنبياءك ورسلك ونحب عبادك الصالحين, اللهم حببنا إليك وإلى ملائكتك وإلى أنبيائك ورسلك وإلى عبادك الصالحين, اللهم يسرنا لليسرى وجنبنا العسرى، واغفر لنا في الآخرة والأولى، واجعلنا من أئمة المتقين)، فإذا قال هذا الدعاء الذي كان يدعو به عبد الله بن عمر فحسن, وإذا قال أي دعاء آخر فجائز.
ولا يلبي فوق الصفا والمروة, فقد انقطعت التلبية بالبدء بالطواف بالبيت، فلا يلبي على الصفا ولا على المروة، ولكن المستحب أن يدعو كما ذكرنا, وأن يقول هذا الذكر الذي ذكرناه ويكرر ذلك ثلاث مرات، يحمد الله سبحانه ويكبر الله ويوحده, ويقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له, له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير, لا إله إلا الله وحده لا شريك له, أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده, ثم يدعو بما شاء ويكرر ذلك مرة ثالثة.
وإذا فرغ من هذا الذكر والدعاء نزل من الصفا متوجهاً إلى المروة، فيمشي على سجية مشيه المعتادة, إلى أن ينتهي إلى الميل الأخضر على ما هو معلم وموجود على بلاط الأرض وعلى الجدران، فسيرى عموداً ملوناً باللون الأخضر، وفوق سيرى كاميرا باللون الأخضر ليعرف أن هذا المكان يبدأ منه السعي, وهو المكان الذي كانت تسعى فيه هاجر وهي تطلب الغوث من الله سبحانه وتعالى، فتتذكر ذلك وأنت تسعى في هذا المكان, حتى يبقى بينه وبين الميل الأخضر المعلق بركن المسجد على يساره قدر ستة أذرع، ثم يسعى سعياً شديداً حتى يتوسط بين الميلين الأخضرين اللذين أحدهما في ركن المسجد والآخر متصل بدار العباس, وهو معروف الآن هذا المكان، فسترى جميع الناس في هذا المكان يبدءون بالسعي الشديد إلى أن يصلوا إلى الميل الآخر, ثم يتركون شدة السعي ويمشون على عادتهم.
ولو أنه نسي وبقي ماشياً ما بين الميلين بعد ذلك فلا يشرع له أن يستدرك, ففي مكان المشي يمشي فيه، وفي مكان السعي يسعى فيه, حتى يأتي المروة فيصعد عليها حتى يظهر له البيت إن ظهر؛ لأنه فوق المروة الآن شبه مستحيل أن ترى البيت، فسابقاً كان من الممكن أن تقف في مكان معين وتنظر منه حتى ترى البيت, ولكن الآن مع الأبنية لن ترى البيت، ولكن تتوجه تجاه البيت وتدعو ربك سبحانه وتعالى بهذا الذكر الذي ذكرناه ثلاث مرات, ثم ترجع من المروة إلى الصفا، فإذا وصلت بين الميلين أيضاً تسعى، وبعدما تنتهي من الميل الثاني تبدأ تمشي إلى أن تصل إلى الصفا, فترقى فوق الصفا وتقف وتتوجه إلى البيت، وتدعو في ذهابك من الصفا إلى المروة مرة, ثم ترجع إلى الصفا في الثانية, ثم ترجع إلى المروة في الثالثة, وهكذا حتى ينتهي الشوط السابع وأنت على المروة.
فيستحب أن يدعو بين الصفا والمروة في مشيه وسعيه, ويستحب له قراءة القرآن، وهو من أفضل الذكر, وعلى ذلك تكون قد انتهيت من السعي بين الصفا والمروة.