السعي بين الصفا والمروة على الراجح من كلام أهل العلم أنه ركن من أركان في الحج والعمرة، وفيه خلاف: هل هو ركن من الأركان أم هو سنة من السنن أم واجب من الواجبات؟ على ثلاثة أقوال لأهل العلم في ذلك، والراجح من هذه الأقوال: أنه ركن من الأركان, واختلفت الرواية عن الإمام أحمد رحمه الله, فروي عنه أنه ركن لا يتم الحج إلا به وكذلك العمرة, وروي أنه سنة ولا يجب بتركه دم؛ لقول الله عز وجل: {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [البقرة:158]، وجاء عن الحنابلة أيضاً أنه واجب، وهذا قول القاضي أبي يعلى، قال: هو واجب وليس بركن، فإذا تركه وجب عليه دم، وهذا هو الذي مال إليه أبو محمد بن قدامة رحمه الله, ولكن ما جاء من أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وفعل النبي صلى الله عليه وسلم، ومداومته على ذلك وأصحابه معه في الحج وفي عمرات النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك أصحابه, وكذلك ما جاء من قوله في أمره صلى الله عليه وسلم بذلك, ولهذا نميل معه إلى أن السعي ركن من أركان الحج والعمرة.
وروى أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أيها الناس! اسعوا فإن السعي كتب عليكم)، فجاء في القرآن {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [البقرة:158] لكن التعبير بقوله سبحانه: {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ} وإذا قال: لا حرج عليك أن تصنع كذا, فيكون لا حرج أن أصنع أو لا أصنع، إلا أن يكون نفي الحرج نزل لسبب من الأسباب، فإذا قال ابتداءً: لا حرج أن تصنع كذا، فهذا الفعل مباح أن تصنعه، ولك أن تتركه, لكن إذا سئل الشارع الحكيم: نحن كنا نفعل كذا في الجاهلية فهل نفعله الآن في الإسلام؟ فقال: لا حرج, فليس معناه: أنه مباح يستوي فيه الفعل والترك, وإنما دليل الفعل يؤخذ من دليل آخر، وهو كون النبي صلى الله عليه وسلم فعله وأمر به، فيكون هذا الدليل فيه: أن ما صنعتموه في الجاهلية ستصنعون مثله في الإسلام ولا إثم عليكم من مشابهة أفعال الجاهلية؛ فإنها كان المقصود بها الشرك، والآن أفعال الإسلام المقصود بها التوحيد، فلا حرج عليكم في مشابهة الفعل للفعل، ولكن النية غير النية في ذلك.
تقول عائشة رضي الله عنها: (طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم وطاف المسلمون -تقصد بين الصفا والمروة- فكانت سنة -أي: سنة النبي صلى الله عليه وسلم ذلك- فلعمري ما أتم الله حج من لم يطف بين الصفا والمروة)، وهذا في صحيح مسلم , فـ عائشة ترى أنه لا يتم حج إنسان لم يسع بين الصفا والمروة, فيكون الحج الذي يتعمد صاحبه أن يكون ناقصاً ليس بحج، فيلزمه أن يتم ذلك.
وعن حبيبة بنت أبي تجراة مرفوعاً: (اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي)، وهذا من الأدلة على وجوب السعي, فقد فعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك, وسعى في عمره كلها، وسعى في حجه صلى الله عليه وسلم بين الصفا والمروة, وكذلك قال في الحديث: (إن الله كتب عليكم السعي فاسعوا)، فيكون قد سعى فنفذ ما أمر الله عز وجل به, وأخبر أن هذا مكتوب، والمكتوب فرض من الفرائض, وقد النبي صلى الله عليه وسلم: (خذوا عني نسككم، فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد عامي هذا)، ففعل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم, وطاف بالبيت، وسعى بين الصفا والمروة، فدل فعله صلى الله عليه وسلم على أن هذا من لوازم الحج والعمرة.
وجمهور أهل العلم على أن السعي بين الصفا والمروة ركن من الأركان, وعند أبي حنيفة أنه واجب.
والفرق بين الركن والواجب: أنه لو قلنا لأنه ركن فمن لم يأت بالسعي بين الصفا والمروة فيلزمه أن يرجع مرة ثانية ليأتي به، وإذا كان هذا الإنسان محرماً بالحج أو بالعمرة ولم يأت بهذا الركن فما زال محرماً عليه أن يأتي النساء حتى يسعى بين الصفا والمروة ويكمل حجه, وكذلك الذي اعتمر فطاف بالبيت ولم يسع وذهب إلى بيته نقول له: إنه فرض عليك أن ترجع وتأتي بالسعي بين الصفا والمروة, وما زلت محرماً، فلا يجوز لك أن تأتي النساء.
وإن قلنا: إن السعي بين الصفا والمروة واجب فيرى الأحناف أنه يجبر بدم, فلو أنه تركه وانصرف فيأتي ويذبح شاة أو يهدي هدياً، ولا شيء عليه أكثر من ذلك, لكن قول النبي صلى الله عليه وسلم: (خذوا عني مناسككم) وقوله: (إن الله كتب عليكم السعي فاسعوا)، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بأن يتعلموا منه, وفعل ذلك في حجه وعمرته, كل هذا يدل على أنه ركن، ولذلك نميل في ذلك إلى قول الجمهور: أنه لابد منه، وأنه من أركان الحج والعمرة.