ستر العورة شرط لصحة الطواف، والرجل عورته ما بين السرة إلى الركبة، والمرأة كلها عورة، ولا يجوز لها أن تنتقب أو تلبس القفازين، فلو أن امرأة تطوف بالبيت وزاحمت الرجال فسقط حجابها من على رأسها، وظلت تمشي على هذا الحال وهي تطوف، فإن طوافها غير صحيح، لكن لو حدث منها هذا الشيء فغطت رأسها بسرعة، فطوافها صحيح؛ لأنه يعفى عن اليسير في ذلك.
وكذلك الرجل، فلو أنه كان يطوف فسقط منه إزاره فلبسه حالاً فلا شيء عليه، ولكن لو رفع إزاره حتى ظهرت عورته فإن طوافه يبطل بذلك.
جاء في الصحيحين عن أبي هريرة أن أبا بكر رضي الله عنه بعثه في الحجة التي أمره عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل حجة الوداع، وهذا كان في سنة تسع، حين كان الأمير على الحج أبا بكر الصديق رضي الله تبارك وتعالى عنه، فأرسل أبا هريرة في رهط يؤذن في الناس يوم النحر: ألا يحج بعد العام هذا مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان، أي: لا يجوز أن يطوف بالبيت عريان، فقد كان المشركون يصنعون ذلك، فيطوفون بالبيت وهم عراة، فأرسل إليهم صلى الله عليه وسلم هذا التحذير، وهذا السبب كان هو العلة في أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحج في ذلك العام، مع أنه فرض عليه صلى الله عليه وسلم في سورة آل عمران: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران:97] وهذه السورة نزلت في عام الوفود، في العام التاسع، ومع ذلك لم يحج النبي صلى الله عليه وسلم لهذا السبب، فما كان له أن يطوف وحوله رجال ونساء من المشركين، وهم عراة، فلم يفعل في ذلك العام، وأخر الحج إلى العام الذي يليه، حتى صار المكان ليس فيه أحد من المشركين، ولا أحد من العراة، فذهب النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع.
إذاً: متى انكشف جزء من عورة أحدهما -الرجل أو المرأة- بتفريط بطل ما يأتي بعده من الطواف، فلو طاف ثلاثة أطواف ثم انكشفت عورته بتفريط منه ولم يبال بذلك، فعلى ذلك لا يصح ما يأتي به من طواف بعد ذلك وهو على هذه الحال، إلا أن يستر نفسه في الحال ويكمل ما بقي من طوافه، وإذا انكشفت بلا تفريط وستر في الحال صح طوافه.