وفي أثناء الإحرام يجوز قتل أشياء مؤذية، تؤذي الحجيج وغيرهم، سواء كان محرماً في الحل، أو كان في الحرم.
فيستحب قتل المؤذيات: كالحية، والفأرة، والعقرب، والخنزير، والكلب العقور، والغراب، والحدأة، والذئب، والأسد، والنمر، والدب، والنسر، والعقاب، والبرغوث، والبق، والزنبور وأشباه هذه الأشياء، فكل شيء يؤذي الإنسان فيجوز له أن يقتله، سواء في الحل أو في الحرم؛ لما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (خمس من الدواب كلهن فاسق)، فسماهن فواسق، والفسق: هو الخروج عن الطاعة، أو الخروج عن الشيء، ومتى خرج الإنسان عن طاعة الله سبحانه فهو فاسق.
والفاسق في الحيوان هو الذي خرج عن المعهود والمألوف من كونه أليفاً، ومطيعاً إلى أن صار مؤذياً، ومنه أن يقال: فسقت الرطبة، فأنت حين تأتي بالرطب ثم تضغط عليها فتتزحلق البلحة من قشرتها، فيقال: فسقت أي: خرجت من قشرتها، فهنا كأنه خرج عن المألوف في أمثاله.
فيقول النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الأشياء: (خمس من الدواب كلهن فاسق، يقتلن في الحرم: الغراب، والحدأة، والعقرب، والفأرة، والكلب العقور)، فكل هذه الأشياء مؤذيات، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتلها سواء في الحل أو في الحرم.
ونحن نعرف عن بعضها أنها مؤذية، وبعضها لا نعرف عنها ذلك، فيقول لنا: يقتل الغراب، ومنه غراب الزرع، وليس مؤذياً، ومنه الغراب الأبقع، والغراب الأبيض وغير ذلك، مما يؤذي الحجيج، فقد كانوا يأتون راكبين على الجمال، فينزل الغراب وينقر في ظهر الجمل فينفر الجمل حتى يقع صاحبه على الأرض، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل مثل هذا الغراب، إذا إذاً: إذا كان الغراب غير مؤذ كغراب الزرع فلا يقتل، وأما إذا كان مؤذياً كبقية الغربان فيجوز قتله.
وكذلك الحدأة فهي تخطف على الحجيج طعامهم وخاصة اللحوم.
والعقرب يؤذي ويلدغ، والفأرة، والكلب العقور هذه كلها أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتلها.
وإذا كان بعض الحيوانات يمكن أن يؤخذ فيستأنس، مثل: الفهد، والبازي، والصقر، بحيث إنه يصير أداة للصيد بعد ذلك، فلا يستحب قتله، وأما إذا كان يؤذي فيقتله المحرم ولا فدية عليه؛ لأنه ليس صيداً.
وفي حديث آخر ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن هذه الخمس يقتلن في الحل والحرم، وجاء في حديث عائشة: (الوزغ فويسق)، فيكون السادس، إذاً مفهوم العدد الذي في هذا الحديث غير معمول به؛ فقد ذكر خمسة في هذا الحديث، وذكر في حديث آخر الوزغ أنه يقتل، فصار سادساً، فيجوز قتل الوزغ، وهي دابة من الدواب تشبه البرص، ولكنه نوع سام، فيجوز قتل الوزغ، وذكر النبي صلى الله عليه وسلم في حديث آخر أن الوزغ كان ينفخ النار على إبراهيم من أجل أن يحرق، على نبينا وعليه الصلاة والسلام.
وعن طارق بن شهاب: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أمر المحرم بقتل الزنبور، والزنبور: ذبابة كانت تقرص الحجيج فأمر بقتلها في الحرم.
وجاء عن ربيعة بن أبي عبد الله بن هدير: أنه رأى عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقرد بعيراً له في طين بالسقيا وهو محرم، (يقرد): أي: ينزع القراد عنه، والقراد نوع من الدواب التي تؤذي البعير، فكان يخرجه ويزيله، ولا شك أنه بإزالتها سيحصل قتل لبعضها.
ويجوز قتل الخنافس، والدود، والجعلان، والأبراص، والذباب، والبعوض، وكل هذه الأشياء التي تؤذي لا فدية فيها، ولا يحرم قتلها.