حكم أكل المحرم من الصيد

ويحرم على المحرم أكل صيد صاده هو أو أعان على اصطياده أو أعان على قتله بدلالة أو إعارة آلة، سواء دل عليه دلالة ظاهرة أو خفية، وسواء إعارة ما يستغني عنه القاتل أم لا.

والدلالة: مثل أن يكون المحرم في مكان حل، ومعه إنسان حلال في هذا المكان، وفي أثناء الطريق وجد المحرم صيداً فدل الحلال عليه فقتل الصيد هو، فلا يجوز للمحرم أن يشير إلى الصيد، فيحرم على المحرم أن يأكل من لحم ذلك الصيد.

فقد جاء في حديث أبي قتادة قال: (انطلقنا مع النبي صلى الله عليه وسلم عام الحديبية فأحرم أصحابه ولم أحرم، فبصر أصحابنا بحمار وحش فجعل بعضهم يضحك إلى بعض، فنظرت فرأيته هنا) أبو قتادة لم يحرم، والصحابة أحرموا، وبعد أن أحرموا نظروا فوجدوا أمامهم صيداً، فضحكوا، وقد ظهر لهم بعدما أحرموا، فانتبه أبو قتادة فوجد الصيد فذهب إليه ليقتله، يقول رضي الله عنه: (فحملت عليه الفرس، فطعنته فأثبته، واستعنت بهم فلم يعينوني) أي: أنه طعنه فجرحه جراحة مثبته وقف في مكانه، وثبت فيه، فقال: أعينوني، ناولوني شيئاً حتى أذبحه فرفضوا، قال رضي الله عنه: (فأكلنا منه، ثم لحقت برسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله! إنا اصطدنا حمار وحش وإنا عندنا فضلة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: كلوا، وهم محرمون).

وفي رواية قالوا: (لا نعينك عليه بشيء إنا محرمون، وذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كلوه حلال).

وفي رواية (أنه سألهم هل منكم أحد أمره أن يحمل عليه، أو أشار إليه؟)، وأما كونهم ضحكوا فهو شيء غلبهم، ولم يتعمدوا أن يضحكوا حتى ينتبه إلى أن هذا صيد، فـ أبو قتادة رضي الله عنه اصطاد الصيد، ولما أكلوا منه قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: كلوه حلال.

وأيضاً جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه طيب نفوسهم بأن أكل هو أيضاً منه عليه الصلاة والسلام، ففي رواية في صحيح البخاري قال: (هل معكم منه شيء؟ قال: فناولته العضد فأكلها حتى تعرقها وهو محرم) والصيد الذي وجدوه ذكر في رواية أنه حمار وحشي، والحمار الوحشي يجوز أكله.

إذاً: إذا كان المحرمون لم يدلوا الحلال على الصيد جاز لهم أن يأكلوا منه، فإذا كانوا هم الذين دلوه فلا يجوز لهم ذلك، فإذا فعلوا فلا يجوز لهم أن يأكلوا منه.

وكذلك لو أن الإنسان شك هل هذا الذي صاد الصيد صاده من أجلي لأني محرم؟ أو حتى يأكل منه المحرمون؟ فإنه لا يجوز أن يأكل منه؛ لما سيأتي من حديث النبي صلى الله عليه وسلم.

وإذا كسر المحرم بيض صيد وقلاه فإنه يحرم عليه، فإذا وجد طائراً من الطيور في الحرم أو في غير الحرم وهو محرم، وقد باض الطير بيضاً فجاء المحرم وأخذ البيض وكسره وقلاه، فإنه لا يجوز له أن يأكله، ويكون قد أتلف شيئاً وعليه الجزاء، فيخرج قيمة البيض ويتصدق به لفقراء الحرم.

ويحرم عليه أن يشتري الصيد أو أن يتهبه، أي: أن المحرم إذا وجد إنساناً معه صيد فأراد أن يشتريه فإنه لا يجوز له ذلك، وكذلك لا يجوز له أن يطلب الصيد هدية أو هبة أيضاً.

فقد جاء أن الصعب بن جثامة (أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حمار وحش، فرده عليه، فلما رأى ما في وجهه قال: إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم)، فـ الصعب بن جثامة رضي الله عنه صاد حمار وحش، فأهداه للنبي صلى الله عليه وسلم، فكأن النبي صلى الله عليه وسلم شكك، هل الصعب صاد هذا الحمار من أجلنا؟ لأنه إذا صاده من أجل المحرمين فلا يجوز لهم أن يأكلوا منه، فالمحرم يحرم عليه أن يصيد الصيد أو أن يأكل منه، فإذا صاده الحلال من أجل المحرمين امتنعوا، فليس لهم أن يأكلوا منه، فلذلك هنا في قصة الصعب بن جثامة أنه أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم حمار وحش، فرده النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه شك أنه صاده من أجلهم، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم)، ففرق بين قصة الصعب بن جثامة وبين قصة أبي قتادة.

وقصة أبي قتادة واضحة في أنه لم يصده من أجلهم، ولكنه صاده ثم دعاهم إلى أن يأكلوا منه، ولم يعنه أحد عليه.

وفي قصة الصعب بن جثامة: خشي النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون صاده من أجل المحرمين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015