وأيضاً المحرم ممنوع من استعمال الطيب، أما قبل الإحرام فيجوز له أن يضع الطيب، فإذا أحرم جاز له أن يستديمه ويبقيه، ولكن لا يجوز له بعد الإحرام أن يضع الطيب، فإذا فعل ذلك ناسياً وجب عليه أن يزيله وأن يغسل أثره، وإن فعل ذلك متعمداً فعليه الفدية، سواء طيب رأسه أو طيب بدنه، أو طيب ثيابه، ولو لبس ثوباً مبخراً بالطيب، أو ثوباً مصبوغاً بالطيب، أو علق بنعله طيب لزمه أن يزيل ذلك، فإذا استدامه لزمته الفدية.
إذاً: لا تلزم الفدية إلا من علم واستدام هذا الشيء، فمثلاً: لو أن محرماً وجد طيباً على الأرض فوضع رجله عليه حتى صار في نعله من الطيب، فإنه يجب عليه أن يغسل أثر الطيب، أو ينزع عنه النعل ويلبس غيره، فإن استدام ذلك وتعمده وجب عليه الفدية، لكنه إذا أزاله فلا شيء عليه.
ولو علقت رائحة الطيب دون عينه بأن جلس في دكان عطار، أو عند الكعبة وهي تبخر، فجاءت رائحة الطيب في أنفه فشم الطيب، فلا شيء عليه.
ومثله إذا مر بالسوق الذي فيه الطيب فشم منه رائحة الطيب فلا شيء عليه في ذلك.
لكن الممنوع منه هو أن يلصق الطيب ببدنه، أو ملبوسه، فإذا أخذ الطيب ووضعه على ثوبه، سواء كان متعمداً أو ناسياً فعليه الفدية، وإذا جاء إنسان ووضع على المحرم طيباً وجب عليه أن يزيل ذلك الطيب، فإذا استدامه لزمته الفدية.
ولو أنه جلس على فراش مطيب، أو أرض مطيبة، أو نام عليها مفضياً إليها ببدنه أو ملبوسه لزمته الفدية، فلو فرضنا أنه ذهب إلى الفندق ووجدهم قد وضعوا على سريره طيباً، فهنا لا يجوز له أن ينام على السرير الذي عليه الطيب؛ خشية أن ينتقل الطيب إلى بدنه، أو إلى ثيابه، فإذا تعمد وانتقل الطيب إلى ثيابه فإن عليه الفدية، وإذا أراد أن ينام على السرير الذي فيه الطيب فعليه أن يضع فوقه ثياباً ليس فيها رائحة الطيب، ثم ينام فوق تلك الثياب التي فوق السرير، وليس عليه شيء في ذلك.
ولو خفيت رائحة الطيب أو الثوب المطيب لمرور الزمان أو لغبار وغيره، فإن كانت بحيث لو أصابه الماء فاحت رائحته حرم استعماله، أي: لو فرضنا أن مع المحرم إزاراً أو رداءً غير الذي يلبسه، ثم أراد أن يلبسه وهو يعلم أن فيه نوعاً من الطيب، وأنه إن لبسه وأصابه العرق ظهرت منه رائحة الطيب، فلو تعمد أن يلبسه فإن عليه الفدية بذلك.
وقد ذكر البخاري عن ابن عباس تعليقاً أنه قال: (يشم المحرم الريحان، ويتداوى بأكل الزيت والسمن)، ومعنى كلامه: أن هذا لا شيء فيه، فإذا شم رائحة الريحان، أو أكل زيتاً أو سمناً من أجل أن يتداوى فلا شيء عليه في ذلك، والريحان نبات وليس من أنواع الطيب، والطيب: هو ما يلصق بالبدن، والريحان لو اعتصر حتى صار طيباً، ووضعه على بدنه فسيخرج من بدنه رائحة ريحان، وهذا هو الطيب الممنوع من الريحان.
ويجوز أن يجلس المحرم عند عطار في موضع مبخر، والأولى أن يجتنب ذلك؛ لخلاف الفقهاء فيه، ومتى لصق الطيب في بدنه أو ثوبه على وجه لا يوجب الفدية -أي بغير قصد- كرجل مر وفي يده طيب وسلم على المحرم وانتقل الطيب إلى يد المحرم؛ وجب عليه أن يغسل يده حالاً، وإن تعمد أن يترك الطيب وألا يغسله لزمته الفدية.
ولا يكره للمحرم شراء الطيب، فلو أن المحرم أثناء الإحرام مر بالسوق الذي يبيعون فيه الطيب، واشترى زجاجة عطر فليس عليه شيء، وإنما الممنوع هو أن يضع الطيب على بدنه أو ثيابه.
ويحرم عليه أن يكتحل بما فيه طيب، فإذا كان الكحل أو الدواء الذي يضعه فيه نوع من أنواع الطيب فإنه لا يجوز له أن يضعه، فإن احتاج إلى ذلك جاز أنه يضعه وعليه الفدية؛ لقول الله سبحانه: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة:196].
وله الاكتحال في أثناء الإحرام، لكن بالشيء الذي لا طيب فيه.
واستخدام الصابون في الإحرام جائز، فله أن يستخدم أي نوع من أنواع الصابون، إلا أن يكون الصابون فيه نوع من الطيب بحيث أنه إذا غسل يده اشتم منها رائحة الطيب، كرائحة مسك، أو رائحة ريحان، أو رائحة ورد، ويستمر ولا يخرج، لكن العادة في الصابون أن الإنسان إذا غسل يده بالماء بعد الانتهاء من استعماله زالت رائحته، فإن كان هذا الصابون كذلك فلا شيء عليه، أما إذا كانت رائحته تستدام فمثله مثل الطيب وحكمه حكم طيب، فليجتنب مثل هذا الصابون.